ثورتهم، فوافق على مقترحي بتخفيض هذه الضريبة، لوقع ما لا تحمد عقباه.
في أثناء ذلك يا مولانا! كان مصر باي أثناء ذلك مقيماً فيما وكل إليه جمع ماله. فلقد وكل إليه أن يجمع ما فرض من المال على أملاك الصليبة إلى مصر إلى دير الطين إلى غير ذلك.
شمر مصرباي عن ساعد الجد، وكتب القوائم المطلوبة مستعيناً بالمباشرين من أولاد ابن الجيعان. وبعث إلى أعيان الناس بتلك النواحي رسلاً غلاظاً شداداً لا يعصون ما أمرهم. . . واخذوا يثقلون على الناس بكل وسيلة مستطاعة، وبكل حيلة قدروا عليها، حتى وفوا بما فرض عليهم. . . نحن حقاً لا نؤاخذه بهذه الغلطة ولا بهذا الأثقال، ولا بتلك الجفوة في معاملة المالكين والآهلين، لأنه كان يقوم بواجبه في جمع المال المعروض. . . وإنما ننعى عليه حبه للمال، وانتهاز هذه الفرصة لملئ جعبته منها. . وتدبير جزء منه لنفسه.
قال السلطان: الحق إننا اجتزنا هذه المحنة بتوفيق الله ومعونته، ولولاه سبحانه، لفوجئنا بما لا نتوقعه. . لقد كان الجند في ثورة دائمة. . إذا خبت نارها آنا فتحت رمادها وميض النار. واخذ الدساسون يدسون بينهم، ويثيرون حميتهم، ويوقدون نار الثورة بينهم. وكنا نحن من ناحيتهم نلتمس لهم العذر. . . فلقد تأخرت رواتبهم جملة شهور، ولم نقدم إليهم من نفقة البيعة شيئاً. . . ولكنا كنا مكرهين، فلقد تسلمنا زمام السلطنة، والخزائن خاوية على عروشها. تصر فيها الرياح صرير اليأس الحزين. وتسرح في جنباتها الجرذان سروح الأمن اللاهي. فصابرناهم بالتهديد بترك السلطنة. . . وطوراً يبذل الوعود والملاينة. . .
ثم أحببنا أن نستولي على بعض أوقاف المساجد، ونشرع في بيعها لسد فراغ الخزائن، ونترك للمساجد ما تحتاج إليه منها لتظل مفتوحة للعبادة وذكر الله، وخير لنا أن تنفق أموال المساجد على الجنود السلطانية وضروريات السلطنة، من أن تنفق على المتعطلين من خدمتها، والمتبطلين من شيوخها، والكسالى الخاملين من مدعي المعرفة والوصول. . . لكن وقف في وجوهنا ثلاثة من قضاة الشرع وبخاصة شهاب الدين أحمد الشيشيني قاضي قضاة الحنابلة، وقبض لنا في قسماته، وعبس في غضونه، واغلظ في القول. ثم وسمنا بأننا نعبث بأموال الواقفين واعيان وقفهم على غير ما يرغبون، وأننا لن ننفقها في سبيل الخير المرسوم لها. . . كأن الخزائن الشريفة ليست سبيلاً من سبل الخير، أو لست مرجعاً للبلاد