كان قدماء الفنلنديين يعيشون بين أحضان الطبيعة القاسية، فلا عجب إذا رأيناهم، في عصرهم الوثني، يؤلمون عناصرها ومظاهرها. وقد أستدل الباحثون من الأناشيد التي ترجع إلى ذلك العهد، على أنهم كانوا يصفون بالألوهية كل شجرة أو صخرة، ويعتقدون أن الغابات والبحيرات مأوى للآلهة. وسنعود إلى هذه الاعتقادات في معرض كلامنا عن ملحمة (كاليفالا)
وقد ظل الفنلنديون يدينون بالوثنية إلى القرن الثاني عشر، أي إلى أن بشرهم الأسوجيون بالنصرانية. ولكنهم ما زالوا إلى اليوم متأثرين بتاريخهم وعقائدهم القديمة. ولما شع عصر الإصلاح في أوربا تأثر به الفنلنديون في أوائل القرن السادس عشر، فصدفوا عن التصوف الذي تميزوا به من قبل وأخذوا بتحكيم عقولهم في أمور الدين المسيحي وتفسير كتبه
مر قرنان بعد ذلك، وجاء القرن التاسع عشر، والأدب الفنلندي في سبات عميق لا يظهر له أثر. ولعل ذلك يعزي إلى أن دولة أسوج التي استولت على فنلندا منذ القرن الثاني عشر نشرت فيها لغتها حتى طغت على لغة أهل البلاد الأصيلة وكادت تزيلها من الوجود لولا أن القبائل المنتشرة في مقاطعة (كاربلي) احتفظت باللغة الفنلندية ونظمت فيها أغانيها الشعبية في تمجيد أبطالها ووصف شجاعتهم وحروبهم
وظلت فنلندا محتفظة بتقاليدها وبتأثرها بالأدب الأسوجي بالرغم من استيلاء روسيا عليها سنة ١٨٠٩ وضمها إلى إمبراطوريتها.
ولكن الروابط الأدبية والثقافية بين روسيا وفنلندا جاءت على عكس الروابط السياسية. فكلما حاولت روسيا ربط الصلات السياسية والإدارية بينها وبين دوقية فنلندا الكبيرة أزداد الفنلنديون شعوراً بقوميتهم وتعلقاً بمدنيتهم. وهكذا أخذ الأدب الفنلندي يزدهر في أوائل القرن الماضي ولم يلبث أن أرتبط بالحركة الابتداعية التي كانت قائمة في أوربا في ذلك العهد.
كانت العناية بجمع الأغاني والقصائد الوطنية الحماسية وضمها في شكل ملحمة أول مظهر للأدب الفنلندي