كان الشعب يحفظ هذه القصائد ويتناقلها بطريقة الرواية، وكان لزاماً على من يعني بجمعها أن يطوف بالبلاد للبحث عن رواتها ونقلها عنهم
وقد قام (لياس لونرو) بهذه الرحلات فجمع ما استطاع جمعه من تلك الأناشيد الوطنية. وكان يعتقد أن هذه القصائد الشتيتة أجزاء متناثرة من ملحمة شعبية مفقودة زالت لحمتها خلال القرون المتتالية. ويقول النقاد إن هذا الاعتقاد خاطئ، ولكنه نتج عنه عمل يعد نسيج وحده في الأدب العالمي: ذلك أن (لونرو) كان شاعراً، وقد ساعدته هذه الميزة على ضم القصائد وإنشاء لحمة بينها حتى برزت في شكل ملحمة قد لا يجد فيها بعض النقاد الشروط الفنية لنظم الملاحم كما يجدونها في الإلياذة مثلاً، ولكن الذين يوجهون إليها هذا النقد يقررون أنها فريدة في بابها من حيث أنها الملحمة الوحيدة التي أشترك في وضعها جمهور الشعب.
أما القصص المروية في هذه الملحمة، التي أسماها جامعها (كاليفالا) فساذجة بسيطة. كان الشعب الفنلندي وثنياً يؤمن بالرقي والتمائم ويعتقد أن الطبيعة ملأا بالجن، بعضهم للخير وبعضهم للشر، وأن الجن لا يتداخلون في شؤون العالم إلا إذا طلب إليهم السحرة ذلك. فالسحرة هم بمنزلة الكهان يحفظون عبارة الطلاسم العجيبة التي يستطيعون بها أن يتحدثوا إلى الشياطين لاجتناب أذاهم أو اجتناب خيرهم. وهكذا جعلت هذه الديانة الساحر شخصاً عليماً بكل شؤون الحياة، فهو الحكيم العليم ببواطن الأمور، وهو الطبيب الشافي من كل داء، وهو الشاعر المنشد والمغني المطرب. ويظهر أن الشاعرية عند هذا الشعب قد تفتقت من ألفاظ السحر الغريبة.
وهذه السذاجة في العقيدة لم تساعد على خلق ميثولوجي على الطريقة الرمزية المعروفة عند الشعوب الأخرى حيث نجد العقل المفكر يخلق الآلهة التي ترمز إلى الحياة بأكملها. أما عند الفنلنديين فالحالة على غير هذا، لأن الباحث في ديانتهم يجد آلهة لا يفهم معنى وجودها أو ما ترمز إليه. ولم تحتفظ ملحمة (كاليفالا) بما يستدل منه على الرمز الذي تعبر عنه الآلهة.
فمن أمثلة ذلك خلو الملحمة مما يشير إلى مركز (فانيا موينن) بين الآلهة، ويقول الباحثون إنه كان إله البحر في ديانة الفنلنديين القديمة