الطاغي مثلك يا نيل عذب الشمائل، سهل الشريعة، فروى الناس من نبعه، وبردت أكبادهم على نداه. ثم أنتكس المجتمع، وانقلبت الأوضاع، وفسدت المقاييس، استفاضت الدعوى، وتبجح الغرور، وأستبهم الأمر، فرأى سلاطة اللسان أجدى عليه من براعة الذهن، والتواء الفكر أنفع له من سلامة القياس، ولؤم الوقيعة أشد لسلطانه من كرم النفس، وشهوة الجدل أقرب إلى قلبه من حب الحقيقة. وفي العهود التي تسطو فيها اليد ويستخذى القانون، يسلط فيها اللسان ويستكين المنطق! ثم يمكن لمثل هذا الطغيان تكرم الأدباء عن مقام المسافهة، ضنا بأخلاقهم على الغمز، وبإحساسهم على المضاضة وفي التاريخ السياسي والأدبي يا نيل أمثال وأشباه! ولكنها تنحسر كلها عن جوهر الحق، ومحض الخير، ولباب الجمال، كما تنحسر أنت عن هذه السواحل والجزر والقرى، بحكم الطبيعة ومشيئة الله!