أن يحارب المصريين الذين تعلم في ديارهم، وتثقف بثقافتهم، واتخذ من بينهم أصدقاء كثيرين. . انه لا يستطيع أن يتصور الني مصبوغاً بالدماء، ورياضه وخمائله جرداء، وقصوره تلتهمها النيران. . كلا! هم ان المصريين لم يعتدوا من جانبهم على النوبة حتى يكون هناك مبرر لهذا الزحف، كلا! هذا أمر فظيع! إنه يؤثر عليه الموت. .
ألقى الأمير بنفسه على السرير واخذ يبكي طويلاً، ثم نهض فتذكر قنينة السم التي أعطاها إياه معلمه الكاهن (منتو) عندما ذهب ليودعه يوم سفره، كما تذكر قول الكاهن وقتئذ:
(ولدي! إن في الحياة أوقاتاً يفضل الموت فيها، وأنتم معشر الملوك والأمراء معرضون لأخطار كثيرة كالأسر أو المنفى، ثم إن هذا السم لا يحدث ألماً وإنما يشعر شاربه كأنه في الفردوس. .)
قصد الأمير دون تردد زاوية من الحجرة حنث كانت حقيبته التي صحبته في رحلاته إلى مصر، فنظر بعين ملؤها العطف إلى البطاقات الكثيرة التي تحملها الحقيبة من الفنادق الكبيرة في منفيس وطيبة والحجر، فأخرج منها قنينة السم ثم شربها جرعة واحدة وتطرح على السرير. .
وفي صباح اليوم التالي خاء خادمه لإيقاظه من النوم كالعادة، ولكنه امتنع هذه المرة عن تأدية هذا الواجب لأن وجه سيده كان يفيض بشاشة، فلم يشأ أن يعكر عليه أحلامه اللذيذة. .
حقاً! إن الكاهن (منتو) لم يكذب حين قال أن شارب سمه يحلم بالفردوس، ولكن الواقع أن روح الأمير كانت فعلاً في الفردوس، لأن الآلهة أرادوا مكافأته على تضحيته وإنقاذه مصر فردوسهم الثاني في هذه الأرض. .