للعبادة في أرفع مكان بالكعبة، وكانت تتقرب إلى عبادتهما بالهدايا والقرابين، وتنحر عندهما، وكلما حجت العرب الكعبة تمسحت النساء بالصنم (نائلة) وتمسح الرجال بالصنم المعبود (أساف) وطافوا من حولهما. وبالغت قريش في تقديسهما فأقامت لهما منحراً ينحرون فيه الهدايا من النوق العتاق، والشياه السمان، واختارت سدنتهما من مشايخها. وكانت بنات (نائلة) السادنات يرسلن شعورهن، وينتظرن ظهورها على قارعة النخل مرة كل عام. وكانت نائلة تظهر مرة كل عام في صورة شيطان، رائعة الجمال، مرسلة الشعر، يركض بها جواد أشهب، إلى مقر الكعبة، فإذا بلغتها اختفت، وسمع من الصنمين صوت القبلات المتبادلة، وربما يكون العربي الحاج في هذه الفترة على بعد ألف فرسخ من مقر زوجته أو أمه، فيشعر كأنه قد قبلها وقبلته.
سليمان متولي
في الكتب
حياة نابليون
تأليف الأستاذ حسن جلال
يقول الإنجليز (لا ينجح مثل النجاح) وهذا ما أردده حين أتعرض للأستاذ حسن جلال، فقد أخرج من قبل كتابه (الثورة الفرنسية) فكان توفيقه باهراً، ثم طلع علينا أخيرا بكتابه (حياة نابليون) فكان بحق مثار الإعجاب والدهشة.
نعم، الكتاب جدير بإعجابنا وتقديرنا، فها هي ذي كتب التاريخ الكبيرة بين أيدينا نقرؤها من غير شهية، وهذا في اعتقادي ناشئ من أن الكاتب لم تتشبع روحه بالموضوع ولم يهضم مادته هضماً يمكنه من جعل الحقائق غذاء سائغا لقرائه؛ وأستاذنا من هذه الناحية يحب تاريخ الثورة الفرنسية وعهد نابليون ويعجب به، ولعل الكثير من تلاميذه لا يزال يذكر مقدار توفيقه في تدريس هذه المادة، الحق أن الأستاذ بلغ في هذا منتهى ما يصل إليه الخيال من حدود التوفيق، ذلك لأنه كان يقبل على عمله بعاطفة، ولعل هذا يفسره إخراج هذين الكتابين.
فإذا كان الأستاذ قد أحب هذه الصفحة من التاريخ الفرنسي، وصرف شطرا من عمره