وبين الحين والحين يعرج على الكازينو صديقنا الأستاذ الشاعر أحمد الزين وهو عائد من عمله في دار الكتب، فإذا وجد موضعاً للحديث تحدث كعادته حديثاً شاملاً يتناول كل الأدباء والشعراء في مصر، وإلا أخذ فنجاناً من القهوة وانصرف في صمت رهيب!
وفي ركن من الكازينو يجلس الأستاذ إسماعيل صبري الشاعر ومؤلف الأغاني لشركتي أوديون وبيضافون، فيظل في مجلسه طول النهار وبعضاً من الليل منفرداً كأنه يستوحي شيطانه ويستلهم وجدانه. وفي ركن مقابل يجلس صديقنا الشيخ رفعت فتح الله في جمع من إخوانه يحقق رأياً لسيبويه، أو يحدثهم فيما كان بينه وبين الرافعي من مناظرة، على كركرة النارجيلة ولعب الشطرنج
ولما مات الهراوي رحمه الله، انفضّ سامره في الحلمية، ولم يتحمل إخوانه الجلوس حيث كان يجلس، فجاء بعضهم إلى الكازينو، فتجد الأستاذ مرتضى الخطاط يجلس ساهماً شارداً كأنه في غمرة من ذكر صاحبه
ويستبد بصدر الكازينو طائفة من شباب الأدب وفتيان العصر الذين أصيبوا بدائه وانطبعوا على غراره، وما داؤهم إلا كما وصف ألفرد ده موسيه في اعترافاته، فهم ينطلقون على سجيتهم، ويستقبلون الحياة بروح يقظة طليقة متمردة على كل القوانين والحواجز، وبهذه الروح الحرة يشدون الأدب، وينظمون الشعر، ويأخذون في النقد، وإنهم لفي ثورة دائمة على الأدباء في مصر وفي الأقطار العربية، ولقد ينقلبون بالثورة على أنفسهم، كالنار تأكل نفسها إذا لم تجد ما تأكله، ولكنهم يخلصون من هذا كله بالمرح والضحك والمزاح الصريح
تجد في هذه الحلقة من الشباب، شاعر الفنون والإذاعة أحمد فتحي، وشاعر البؤس والشقاء المهدي مصطفى، والشاعر البوهيمي طاهر أبو فاشا، والشاعر النحوي الفقيه حسن جاد وشاعر البيت الأباظي أحمد عبد المجيد الغزالي، والشاعر المقل أحمد مخيمر والأستاذ أحمد حمدي المحرر بالبلاغ والشيخ طه أفندي حراز محرر مجلتي الراديو والبعكوكه، والرفيقان عبد العليم عيسى والسعيد علوش؛ يجلس هؤلاء في حشد من إخوانهم وإضرابهم من طلاب كلية اللغة العربية والجامعة ودار العلوم، فينفض كل منهم ما في جعبته، ويتقدم بآخر ما أحدث في الأدب والشعر، وما من يوم يمضي إلا ولهم حدث في الأدب والشعر. . .