يعجبني في هؤلاء الفتيان ذوق دقيق، وتقدير صحيح، ونظر صائب في الحكم على الآثار الأدبية، ووضع الأشخاص في مراتبهم اللائقة بهم، فلا يجوز عليهم الزيف، ولا تخدعهم الألقاب، ولا تغرهم الأسماء، بل إنهم لينظرون، ويتدبرون، فكثير من أعلام الأدب في مصر ليسوا في رأيهم بشيء، ولكل فيما يحاول مذهب!
لهم شغف بالاطلاع، فما يخرج كتاب من المطبعة حتى يكون في أيديهم، يقرءونه ويقدرون له قيمته، وما أعرف بحثاً أو قصيداً نشر في صحيفة أو مجلة قد فاتهم الاطلاع عليه، والنظر فيه، فإذا لم يعجبهم كان بينهم مادة للهزء والضحك والمعارضة بالمثل!
ولهم غرام بترتيب القالب، ولكنها المقالب الأدبية، كأن ينحلوا واحداً منهم قصيدة على صفحات الجرائد، أو يسرقوا أشعار بعضهم المطوية ثم ينشرونها بأسماء غير معروفة، أو يوقعوا بين أديب وأديب فينشروا لأحدهما نقداً صارماً للآخر، ولهم في أبريل كثير من الأكاذيب، ولكنها من الكذب الأدبي المقبول. ولقد كان كذبهم في هذا العام من النوع الطريف العجيب، علموا بأن فلانا الأديب قد أهدى إليه الشاعر إلياس أبو شبكة نسخة من ديوانه، وما رأى أحدهما الآخر قط، فراح هذا الأديب يفضل أبا شبكة على سائر الشعراء، فتخيروا واحداً منهم يجيد حكاية اللغة السورية، واتصلوا بذلك الأديب في بيته، وأخبروه بأن أبا شبكة قد حضر إلى مصر، وأنه يرغب في زيارته فحدد لهم الموعد على لهفة، وذهبوا إليه وكان ما كان من الإجلال والإكبار والاحترام، وخرج القوم على موعد بالغداء في يوم آخر. . . ولكنهم وقفوا في المسخرة عند هذا الحد
حتى أساليبهم في الدعابة إنما هي أساليب أدبية، كأن يقيموا لواحد منهم حفلة هجاء، أو حفلة رثاء. وآخر ما حضرت لهم من ذلك (حفلة تكريم من غير مناسبة) للشاعر المهدي مصطفى. وقد اشترك فيها جميع إخوانه وأصدقائه، وقام بتقديم الخطباء والشعراء الأديب الشاعر سيد قطب، وقد استطاعوا أن يوفوا صاحبهم حقه من التكريم، أقل من التهليس. وقام هو أيضاً يرد صنيعهم بمطولة يقول فيها على طريقتهم:
يا قلب كالقبقاب حيرك الجما ... ل فتارة تدعى وأخرى تزجر
صبحاً برجل فهيمة، وعشية ... في رجل سلمى والزمان تجرجر