للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

كلية الآداب، فقرءوا رأياً جديداً في الدين والقرآن رجح ما كان عندهم ظناً بالدكتور طه حسين وكتاب السياسة الأسبوعية. فقال الأكثرون من القراء: هذا كفر وضلال. وقالت طائفة: هو خطأ في الفكر وإسراف في حرية الرأي. وقال الأقلون: بل هو الأسلوب الجديد لتجديد الآداب العربية وتحرير الفكر العربي. وظل الرافعي ساكتاً، إذا لم يكن قد قرأ الكتاب بعد، فما نبهه إلى خطره إلا مقالان نشر أحدهما الأستاذ عباس فضلي القاضي في السياسة الأسبوعية، وكتب ثانيهما الأمير شكيب أرسلان في كوكب الشرق، فكان فيهما الإنذار للرافعي بأنه قد آن أوانه. . .

وانتضى الرافعي قلمه وكتب مقاله الأول فبعث به إلى جريدة (كوكب الشرق)، ثم مقالات ثلاثاُ بعده، ولم يكن قد قرأ الكتاب ولا عرف عنه إلا ما نشرت الصحف من خبره؛ فكانت المعركة بذلك في ميدانها الأول: خصومة بين مذهبين في الأدب وفي الكتابة وفي طرائق البحث. على أن الرافعي لم ينس في هذه المقالات أن له ثأراً عند طه، فجعل إلى جانب النقد الأدبي في هذه المقالات شيئاً من أسلوبه المر في النقد، ذلك الأسلوب الذي لا يريد به أن يفحم أكثر مما يريد أن يثأر وينتقم. ثم تلقى كتاب الدكتور طه حسين فقرأه، فثارت ثائرته لأمر جديد. . .

لقد كان شيئاً منكراً أن يزعم كاتب أن له الحق في أن يتجرد من دينه ليحقق مسألة من مسائل العلم، أو يناقش رأياً من الرأي في الأدب، أو يمحص رواية من الرواية في التاريخ؛ لم يكن أحد من كتاب العربية ليترخص لنفسه في ذلك فيجعل حقيقة من حقائق الدين في موضع الشك، أو نصاً من نصوص القرآن في موضع التكذيب؛ ولكن الدكتور طه قد فعلها وترخص لنفسه، ومنح نفسه الحق في أن يقول قالةً في القرآن وفي الإسلام وتاريخ الإسلام؛ وقرأ الرافعي ما قال طه، فغضب غضبته للدين والقرآن وتاريخ المسلمين، ونقل المعركة من ميدان إلى ميدان. . .

وكان طه في أول أمره عند الرافعي كاتباً يزعم أن له مذهباً جديداً في الأدب، فعاد مبتدعاً مضلاً له مذهب جديد في الدين والقرآن؛ فكما ترى البدوي الثائر لعرضه أن ينتهك، كان الرافعي يومئذ؛ فمضى يستعدي الحكومة والقانون وعلماء الدين أن يأخذوا على يده ويمنعوه أن تشيع بدعته في طلاب الجامعة. . . وترادفت مقالاته ثائرةً مهتاجة تفور بالغيظ

<<  <  ج:
ص:  >  >>