وبالحمية الدينية وبالعصبية للإسلام والعرب، كأن فيها معنى الدم
ونسي في هذه المقالات كل اعتبار مما تقوم به الصلات بين الناس، فما كان يكتب نقداً في الأدب، بل يصب لهيباً وحمما وقذائف لا تبقي على شيء. وكان ميدانه في جريدة كوكب الشرق، وكوكب الشرق يومئذ هي جريدة الأمة وجريدة سعد وجريدة الشرق العربي كله؛ فمن ذلك لم يبق في مصر قارئ ولا كاتب إلا صار له رأي في طه حسين وفي دينه، وإن للأمة من قبل لرأياً في وطنيته ومذهبه، وحسبك بها من وطنية في رأي الشعب، وطه حسين هو عدو سعد
ووقفت الدوافع السياسية إلى جانب الرافعي تؤيده وتشد أزره، وإن لم يكن للرافعي في السياسة باع ولا ذراع
وبلغت الصيحة آذان شيوخ الأزهر، فذكروا أن عليهم واجباً للدفاع عن الدين والقرآن فجمعوا جماعتهم إلى جهاد
وتساوقت الوفود إلى الوزارة تطلب إليها أن تأخذ طه بما قال؛ وإن طه لأثير في وزارة الأحرار الدستوريين وأصدقائهم، ولكنها لم تستطع أن تتجاهل إرادة الرأي الإسلامي العام. . .
ومضى الرافعي في حملته تؤيده كل القوى وتشد أزره كل السلطات
ونشطت النيابة العمومية لتنظر في شكاوي العلماء وتحدد الجريمة وتقترح العقاب، فعرف الدكتور طه حسين أن عليه وقتئذ أن يقول شيئاً، فكتب كتاباً إلى مدير الجامعة يشهده أنه مسلم يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ولكن الرافعي لم يقنع فمضى في النقد على جادّته
ولم تجد الجامعة في النهاية بداً من جمع نسخ الكتاب من المؤلف ومن المكتبات لتمنع تداوله، لعل ذلك يرد الفتنة التي توشك أن تعصف بكل شيء حتى الجامعة، ولكن الرافعي لم يقنع فأستمر في حملته على الدكتور طه حسين، وظهيرُه يومئذ هو الدكتور زكي مبارك. . .!
لقد كانت هذه المقالات التي ينشرها الرافعي في كوكب الشرق صيحةً مدوية وصلت إلى كل أذن؛ فما أحسب أحداً في أدباء العربية وقرائها قد فاته منها شيء. لقد كان المصريون