للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقتئذ مكمومة أفواههم عن السياسة والحديث في شئونها فلعلهم وجدوا في هذه المقالات ما يعزيهم عن شيء بشيء، إذ كان طه عندهم يومئذ ما يزال هو طه حسين عدو سعد، ومحرر جريدة السياسة، وعضو الأحرار الدستوريين

لا أزعم أن اهتمام الناس جميعاً في مصر بهذه المقالات لأنهم جميعاً قد صار لهم في شئون الأدب رأي، أو لهم في الذود عن الإسلام حمية، لا؛ ولكنه نوع من التعصب السياسي جاء اتفاقاً ومصادفة في هذا الوقت نفسه ليكون تأييداً لقول الله وانتصاراً لكلمته؛ على أن هذه المقالات بإقبال الناس عليها - لسبب أدبي أو لسبب سياسي - قد بعثت روحاً دينية كانت راقدة، وأذكت حمية كانت خامدة، وألفت قلوباً إلى قلوب كانت متنافرة، ونبهت طوائف من عباد الله كانت أشتاتاً لتعمل للذود عن دين الله

وإني لأذكر مثلاً مما كان من إقبال الناس على هذه المقالات أنني - وكنت طالباً. . . لم أكن أطيق الانتظار حتى يجيء بائع الصحف إلى الحي الذي أسكنه لآخذ منه كوكب الشرق، بل كنت وجماعة من الطلاب نستعجل فنقطع الطريق من المنيرة إلى باب اللوق راجلين لنشتري من الأعداد المبكرة المسافرة إلى حلوان، لنقرأها قبل أن يقرأها الناس

وتطورت السياسة المصرية، وتخلى زيور باشا عن الحكم، وعادت حكومة الشعب يؤيدها برلمان سعد؛ وعكف نواب الأمة على تراث الحكومة الماضية يفتشون عن أخطائه؛ وما يزال في آذانهم صدى يرن عما كان من أمر الجامعة وأمر طه حسين، فأبدى البرلمان رغبته في محاكمته. وقال النواب: نحن نريد. وقالت الحكومة: وأنا لا أريد. وتشاد عدلي رئيس الحكومة وسعد رئيس النواب؛ فقامت زوبعة، ونشأت ضجة، وحدثت أزمة وزارية، ولوح عدلي بالاستقالة، وأصر سعد على وجوب تنفيذ رأي الأمة، وتعقدت المشكلة. . .

وسعى الوسطاء بالصلح بين الزعيمين؛ فما كان الحل إلا أن يتقدم النائب الجليل عبد الحميد البنان بشكواه إلى النيابة العمومية فتسقط التبعة عن الحكومة، وينفذ رأي الأمة، ثم تسير القضية إلى غايتها أمام القضاء وكان بعد ذلك ما كان

وإذ كان انضمام الجامعة إلى وزارة المعارف عملاً من أعمال علي ماهر وزير المعارف، فإن ما ثار حول الجامعة بسبب الدكتور طه حسين قد دعا نائباً أو نواباً إلى اقتراح محاكمة علي ماهر بما فعل للجامعة، وبما غير من نظام التعليم العام من غير أن يكون ذلك من حقه

<<  <  ج:
ص:  >  >>