الفن للفن هو رسالتها، وأن كسب المال الوفير هو وسيلة لا غاية.
لقد نعمت بهذه الساعة السعيدة في دار الأوبرا حيث كانت فرقة التمثيل تمثل رواية (تاج المرأة) لمؤلفها دوماس العظيم، ومترجمها الأستاذ الفاضل كامل البهنساوي.
لقد نعمت فعلا بساعة سعيدة، كانت تتجاذبني خلالها انفعالات شتى، وأحاسيس متنوعة، واضطرابات تميل بي تارة إلى كل جانب استجابة لعواصف الحياة وهي تعصف هوجاء دائما على غير قياس وبدون تدبر، وقد نسقها فأبدع تنسيقها مؤلف عظيم موهوب فطر على انتزاع أسرار الحياة ليبسطها على المسرح، وتارة تجذبني جمل وألفاظ، وإيماءات وإشارات وتنقلات، وانخفاضات في الصوت وارتفاعات، ولين في خارج الكلمات أو شدة، وانفعالات واضحة في قسمات الوجوه، واللواحظ والابتسامات أتقنها الممثلون والممثلات أجود إتقان. ولم تصدم سمعي كلمة واحدة نابية، أو جملة واحدة مخلخلة قلقة، أو لفظة تدل على أن المترجم لم يؤد الأمانة حقها، أو إلى ضعف في التوفيق بين اللغتين الفرنسية والعربية، أو التصرف والتهاون ولو قليلا في مقاصد المؤلف، أو التراخي في إبراز روحه العظيمة على حقيقتها في العظمة والجلال، هكذا يكون الانسجام الحقيقي بين المؤلف والمترجم والممثل والمخرج، فيمثلون روح الرواية الواحدة كل من ناحيته متساندين.
إنها لساعة تدفع بي بغير تحفظ إلى إسداء الشكر لهذه الفرقة التي أتحفتنا بتمثيل هذه الرواية في هذا الفصل، وكنت أود أن أطالبها المزيد من هذه الروايات الرفيعة، لأنها على الأقل تنفع كتاب الرواية المسرحية منا فتفتح أمامهم آفاقا لم يجرءوا بعد على ولوجها، فضلا عن أنها تعالج مشكلات اجتماعية لا تختلف عن مشكلاتنا الاجتماعية والخلقية والعائلية في وسطينا الراقي والوسط، ولكني أوفر على نفسي مطالبة هذه الفرقة التي لا تريد أن تعترف بأن لها رسالة ثقافية، وأن عليها واجبات نحو الأمة والحكومة.