فكان يدهشنا أن يترسم دانتي خطى الشاعرين الخالدين هوميروس وفرجيل ويأخذ عنهما كل ما ورد في الأساطير القديمة من أوصاف (هيز) وما يحيط بها من أنهار تفوح بالحمم وما تعج به من سعالي وثعابين وسنتورات وتنانين. . . وكان دانتي يمزج في كوميديته ألواناً من الفكر اليوناني لا تخفى على الملم بأدب الإغريق. أما في المطهر والفردوس فما نحسب أن دانتي كان مقتدياً بلون ما من أدب السلف، ولعل ذلك هو السبب في فتور هذين الجزءين من الكوميدية
هذه كلمة خاطفة نؤثر عليها فصلاً طويلاً نقارن فيه بين هؤلاء الشعراء الخالدين
روجر بيكون (١٢١٠ - ١٢٩٣)
من أحسن الكتب التي ألفت عن العصور الوسطى كتاب الأستاذ العلامة هنري أُسبرن تايلور بل لعل هذا الكتاب هو أحسنها جميعاً. وقد لا نجد مؤلفاً محققاً مثل تايلور انصف الرجل المفكر المسكين روجر بيكون الذي يعتبر أول رائد من رواد الحضارة الحديثة التي ننعم بها، والتي تتضاءل بجانبها أزهى الحضارات القديمة. وأغرب ما يروق القارئ من روجر بيكون أنه لم يكن يعيش في العصر الذي وجد فيه، بل هو كان لذلك العصر بجسمه وآلامه فقط، أما بروحه وعقله فقد كان يعيش معنا ويفكر تفكيرنا، ويشغله من مستقبل الإنسانية ما يشغلنا. ولقد كان بيكون عدواً لدوداً لمعسكرين يعتبر كل منهما نقيض الآخر. . كان عدواً للكنيسة التي تفرض سلطانها وتزمتها على العقول فرضاً، وكان يوصي الناس ويحضهم على عدم الخضوع لغيرها والتحلل من ربقتها في تفكيرهم، ومن هنا ما لقيه بيكون من السجن والنفي والتشريد وألوان العذاب التي تتحيفه من حين إلى آخر. . ثم هو كان عدواً لآرسطو وفلسفته:(التي كانت كتبها في نظره جديرة بالتحريق لأنها مضيعة للزمن، وتحصيل للخطأ، وتكثيف للجهل!) وربما كان روجر معذوراً في هذه النظرة السوداء إلى آرسطو الذي كانت كل تراجمه خطأ في خطأ في تلك العصور؛ ولكن روجر بيكون كان يرى في فلسفة آرسطو شقشقة طويلة لا تؤدي الثمرة المشتهاة التي كان ينشدها هو في العلوم عن طريق التجربة، ومن هنا أيضاً حبه العظيم وإعجابه الذي لا يحد بالعرب وبالثقافة العربية في الطب والكيمياء، وعلم الأقرباذين وعلم المعادن؛ وربما كانت عداوته لأرسطو نتيجة انكبابه على دراسة العلوم العربية التي كان المعمل وحده ميدانها