والمضحك أن الكنيسة، ومن ورائها الشعب الساذج الذي لا عقل له، كانت تعتبر بيكون دجالاً مشعوذاً يجيد صنوفاً كثيرة من السحر. وكان الجميع يعدونه مجنوناً حين كان يتنبأ عن إمكان صنع سفينة تسير بالبخار (بدون شراع أو مجاديف) أو قاطرة أو سيارة (لا يجرها حصان أو زوج من الثيران) أو طائرة (ترتفع في الجو بجناحين من المعدن يضربان الهواء كما يصنع الطائر). . .
توماس مور وكتب الطوبى
ليس شك في أن سير توماس مور هو خالق إنجلترا الحديثة، لأنه بطل نهضتها في العصور الوسطى، وقد ولد قبل شاكسبير بمائة سنة تقريباً، وكان صديق إرزم الأديب الهولندي الكبير، وبطل النهضة في الأراضي المنخفضة. ويقولون إن توماس مور هو أول إنجليزي تعلم اللغة الإغريقية وقرأ فيها آدابها، ومن هنا تأثره العظيم بأفلاطون وتأليفه كتابه القيم الجميل (طوبى على نسق (جمهورية أفلاطون) وقد كتب مور طوباه باللاتينية لغة العلوم والمعارف في العصور الوسطى وطبعت للمرة الأولى في لوفين (١٥١٦) ثم طبعت في باريس (١٥١٧) وفي بازل (١٥١٨) ولم تترجم إلى الإنجليزية إلا سنة ١٥٥١ بواسطة الأديب الكبير رالف روبنسون
ومما لا ريب فيه أن اكتشاف أمريكا كان أهم الأسباب التي أوحت إلى مور تأليف طوباه، فقد أذكره هذا الحادث حلم أفلاطون بالمدينة الفاضلة، وتصور أن الأوان قد آن لتحقيق هذا الحلم، وخال شعباً من خيرة أهل الدنيا القديمة يبحر إلى أمريكا فيعيش في رغد وبلهنية، لا يعرف أدواء الإنسانية التي فتكت بها في هذا العالم القديم. وقد دعا مور في طوباه إلى احتقار القوة وأعمال العنف، وبشر بمحبة ومؤاخاة يسودان العالم، وعاطفة خير توجه مصائر الناس. وعندنا أن مور بكتابه الجميل قد سبق مواطنه هـ. ج. ولز - الذي ألف هو الآخر طوبى جديدة - إلى الدعوة إلى العالمية والإيمان بالبشرية والتهوين من قيمة الوطنية، وأن يجعل الناس هذا الكوكب الأرضي الجميل وطنهم الأكبر فلا يلطخوه بالدماء
وقد كان فرنسيس بيكون معجباً إلى أبعد حدود الإعجاب بتوماس مور، وقد نسج على منواله فألف كتابه (أتلانتيس الجديدة) على منهاج طوباه، وكتب مثله في اللغة اللاتينية
ولقد وقف مور في محنة الكنيسة الإنجليزية في عهد هنري الثامن موقفاً حازماً كلفه حياته؛