الأدب طائفة أظنك تعلم من أمرها ما اعلم - من كل كويتب أو شويعر. عاجز كل العجز عن أن يخرج من صدره أو قلبه أو رأسه رأياً أو خاطرة أو فكرة. يفتش في نفسه فيلقيها خلاء بلقعا قفرا. فيعمد إلى دواوين القدماء وكتبهم، يستخرج منها القصيدة أو الرسالة، ولا يزال بها يحاكيها ويقلدها، ويحذف لفظا ويضيف لفظا، حتى يتم له مسخها وتشويهها ثم يلصق في أخرها اسمه الكريم فإذا به قد اصبح ذا شأن وخطر، وإذا النوادي تتحدث بأمره. والصحف تنوه باسمه، والمحافل تتلقاه بالإكرام والترحيب، وإذا صورته لفخمة تطالعك من صدر كل صحيفة سيارة وغير سيارة لتنبئك، وتنبئ الجاهلين أن قد نبغ في هذا الزمان الأخير أديب خطير، وشاعر كبير!
(ونحن يا صديقي في عصر قد علا فيه كعب هؤلاء وعظمت دولتهم، وقويت شوكتهم. ولا تحسب انهم وقف عليكم أهل مصر بل أن لدينا منهم في مملكتنا هذه خلقا كثيرا. وفي وسعك أن تقسمهم إلى قسمين عظيمين: الأول طائفة الطفيليات القومية أو الوطنية وهم الذين يعيشون متطفلين على قومهم العرب مثلا وأمتهم العربية.
غذاؤهم وحياتهم بما يمتصونه أو يبلعونه أو يمسخونه من شعر القدماء ورسائلهم. ناهيك أن في أدبكم العربي أسفارا لا تزال مودعة في خزائن مظلمة في دور الكتب؛ مخطوطة لا يصل إليها إلا الباحث الجليد. . . وما اولع الطفيليين بالبحث والتنقيب، وما اشد صبرهم وجلدهم! فهم يجدون في هذه الأسفار المنسية ضالتهم، ويصيبون منها الغذاء الذي يكسبهم الشهرة والعظمة. ومنهم من لا يكلف نفسه عناء البحث في خزائن الكتب، بل يعمد إلى الشائع المتداول من كتب القدماء والمحدثين، فلا يزال بها يحولها ويحورها، ويربعها ويدورها، حتى يرى فيها الطعام شيئا مخترعا، وأدبا مبتدعا. . . ولعل هذا الطراز ابرع من الأول واقدر، لأنه يعتمد على مقدرته الهائلة في المسخ والتشويه، بينما الأول يعتمد - قبل كل شيء - على بحثه وتنقيبه عن المجهول من الكتب، والخفي المستور من كنوز الأدب.
(تلك إذن طائفة الطفيليات القومية. تعتمد كما ترى على تراث قومها. أما الطائفة الثانية فهي جماعة الطفيليات الغربية؛ ننعتها بهذا الاسم لا لأنها جاءت من الغرب. بل لأنها تتغذى من الثمار الغربية. وتعيش على أجساد الكتاب من أهل الغرب والكاتبات، الأحياء