(وهذه الطائفة قد استفحل أمرها، واشتد دراسها، منذ انتشر في بلادكم تعليم اللغات الغربية، فوجدت أمامها أودية خصبة ومروجا ممرعة، لا يكاد الطرف أن يدرك مداها. فأقبلت عليها في شره لا يعرف شبعا، ونهم لا يعرف حدا. إذ رأت أن المجد الأدبي قد دنت قطوفه، وسهل تناوله. . . فجعلت تجني من ثمار الغرب ما شاءت وما شاء لها الجشع؛ ثم مسخته قليلاً أو كثيرا، ثم جلته للعيون الشرقية، على انه من ثمارها ومن نتاج روحها. فأكبر الناس تلك الثمار، وسبحوا بحمد تلك الطائفة. ورفعوها على الأعناق، وبوموها مقاعد السيادة في الآداب أو في العلوم. . .) عند ذلك قاطعت الأستاذ، وقد تملكني الضجر، وقلت:(أعن هؤلاء تريد أن تحدثني؟ وهل هؤلاء هم الذين أودعتموهم في معهدكم هذا؟ اللهم أني لفي غنى عن رؤية أمثال هؤلاء، وما جئت سائحا في بلادكم العظيمة، لكي تطلعني على تلك المناظر التي طالما أقذت عيني وأحرجت صدري!)
قال:(لا تخف! فهيهات أن نجد مكانا في معهدنا هذا - على ضخامته وسعته لكل تلك الطوائف! كلا يا صديقي! وما ذكرت لك أمر هؤلاء إلا لأنك ممن يعنون بالأدب. ولاني أريد أن تفهم عني أمر الطفيليات التي حشدناها هنا! فأردت تقريب الأمر إلى ذهنك متنقلا بك مما تعرف إلى ما لا تعرف!
(وخلاصة الحديث يا صديقي، إن الطفيليات هذه هي كائنات - اجل وأني لمضطر لان ادعوها كائنات - لا تستطيع أن تحيا وأن تعيش من نفسها وجهودها. بل لابد لها من كائن آخر، تستمد حياتها من حياته، وكثيرا ما تكون حياتها سببا في فنائه. وهي على كل حال لابد لها من أن تضعف الجسم الذي يمدها بالحياة حتى تورده موارد الدمار. . .)
(هذه الكائنات لا تكد ولا تكدح في طلب الرزق، بل تدع السعي والطلب إلى غيرها، وليس لها أسنان تمضغ، أو معدة تهضم، أو أجهزة تحيل الطعام الخشن والشراب، إلى غذاء وحياة، بل تبقى كامنة في الأجسام الحية، ثم تنتظر حتى تكد هذه وتعمل، وتجمع الرزق من نواح شتى، وحتى تتناول طعامه وتهضمه وتمثله، وتحيل إلى تلك العناصر التي ثوت فيها القوة والحياة، عندئذ تبادر الطفيليات، فتمتص منها الحياة والغذاء، من غير جهد ولا عناء. . . هذه الطفيليات لا تحسن عملا، ولا تجيد صنع شيء؛ الهم إلا شيئا واحداً، هو: