للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

طابع هذه الفتن وعنوانها، وهذا ما جعله دقيق الإحساس من ناحيتها، كلفاً بمعاقبة من يتهمون بها إن صدقا وإن كذبا، جادا في البحث عن أتباعها في كل مكان، فإذا وجدهم حاسبهم حتى على ما في ضمائرهم وعاقبهم بالظنة كأبيه، ولو لم يجد من أعمالهم ولا أقوالهم مستنداً للتهمة فضلا عن مبرر للتعذيب والقتل، أما فيما عدا الزندقة فكان المهدي حياله سمحاً كريماً، ولذلك تفصيل سيأتي بيانه إن شاء الله).

ولتفصيل ذلك لابد من بيان الحوادث التي حملت المهدي على تشدده في عقاب الزنادقة، وبيان صفاته النفسية والفكرية التي جعلته يتخذ أسلوباً خاصاً في النظر إلى هذه الزندقة وهؤلاء الزنادقة. ولابد من عرض بعض المحاكمات التي جرت بينه وبين كبار الزنادقة والتهم التي وجهت إليهم أثناءها حتى قضى فيها بالقتل أو بغيره. ولابد لنا مع هذا كله من أن ننظر نظرة ربط إلى أمرين مترابطين بوجودهما هما الزندقة والشعوبية أو الوطنية الفارسية إذ لا حيلة لنا في فهم الزندقة فهما صحيحا ما لم ننظر إليها مرتبطة بهذه الشعوبية الفارسية التي كانت السبب الأهم فيما قام في فارس من ثورات على الخلفاء من العرب أو حروب استقلالية، فلم تكن تلك الفورات المتتابعة إلا لطلب استقلال الفرس الذي انتزعه العرب منهم، ومحاولة التخلص من السيطرة العربية ولا سيما بعد أن زاد الاضطهاد ورأى الفرس بأعينهم أنهم قادرون على هزيمة العرب بما جرى بين الفريقين من وقائع انتصر فيها الفرس على العرب ومنها المعارك التي كانت الجيوش الخراسانية وجيوش الأمويين وانتصار الأولين وهم فرس على الآخرين وهم عرب، ولقد كان ما كان من ضياع أمل الفرس في العباسيين بعد أن مكنوا لهم دولتهم، وجحودهم الذي ظهر في قتل المنصور أبا مسلم، وإخماده ثورة تلميذه سنباذ الذي ثار للمطالبة بثأره حين ثار عليه في سنة ١٣٧ هـ وهي سنة مقتله، وما كان من قمع المنصور الراوندية حين خرجوا عليه لقتله في الهاشمية سنة ١٤١ هـ وقد كانوا على رأي أبي مسلم في زعمه تناسخ الأرواح، وادعوا أن ربهم الذي يطعمه ويسقيهم هو المنصور، وأن الهيثم بن معاوية أحد ولاته هو جبريل. ولابد لنا من النظر بعد ذلك في عقائد فارس المانوية والمزدكية لفهم الآراء التي كانت تتوج هذه الفتن ولا سيما فتنتي الزنادقة المحمرة والمبيضة في عهد المهدي، وتحديد معنى الزندقة كما تآراها المهدي والمعاني الآخر التي ذائعة في ذلك العصر لكلمة الزندقة وكانت تطلق على

<<  <  ج:
ص:  >  >>