الشديد وطول التأمل والتفكير. مثل ذلك أن التقريرين اللذين وضعهما العالمان الأوربيان لم يلمسا الحقائق الأولية في حياتنا الاجتماعية وعلاقتها بالتعليم؛ ذلك في حين أن كل مصري يشعر شعوراً عميقاً بأن عصراً من عصور التطور الفكري قد آذن بأن تشرق شمسه في سماء مصر، وأن عصراً آخر قد أخذ في الأفول. أضف إلى ذلك أننا نشعر بأن حالاتنا الاجتماعية قد اتجهت في تطورها متجهاً ألقى على التعليم في مصر عبئاً جديداً لم يشعر به آباؤنا، وقد نشعر بعض الأحيان بشيء من القلق، وقد نشعر بأن هذا القلق قد يتضاعف بعض الأحيان حتى ليذهب بالبعض إلى حد اليأس من مستقبل آلاف الطلبة الذين يتعلمون اليوم في المدارس وتخرجهم الكليات زرافات كل عام. بل إننا أخذنا نشعر بكل ما شعر به الأستاذ هنري جيمس عندما قال: إن الاحتفاظ بحالة اجتماعية ثابتة الدعائم قوية الأركان في جمعية يكتب على المتعلمين فيها عيش الفقر والذلة، لأمر فيه من البعد عن حقائق الطبع البشري بقدر ما في محاولتك بناء هرم يرتكز على رأسه لا على قاعدته من بعد عن حقائق الطبيعة الكونية
ولقد يماري مفكر في أن ذلك الشعور العميق الذي يكتنف تفكير الكثيرين من المصريين إنما له أسبابه الغامضة البعيدة عن إدراك الذين لا يفكرون في التعليم إلا بقدر ما يفكرون في أداة تخرج متعلمين، ولا يزيد خطره في نظرهم عن خطر آلة تخرج أحذية أو لفافات تبغ في نظر عامل يجهل حقيقة الآلة التي يديرها، ولا يعرف عنها إلا أمرين: شكلها الظاهر، وثمرها الذي يجنيه منها
على أن الثمر الذي أخذنا نجنيه من أداة التعليم عندنا قد جدت عليه ظاهرتان جديدتان: الأولى أن طعمه قد أخذ يتغير، والثاني أن صنفه أخذ ينحط مع كثرة الإنتاج. ولا شك في أنهما ظاهرتان يعلل بهما كثير من الظواهر الاجتماعية التي تمر علينا في كل يوم صور منها، وأخصها كثرة العاطلين من المتعلمين، والجهد الذي يلقاه المجدون منهم في تحصيل رزقهم الحلال
ولا ريب في أن هذه الظاهرات ترجع إلى أسباب أخذت تتجمع منذ أكثر من نصف قرن من الزمان، حتى أفضى بنا التطور إلى الحالة التي تكتنفنا اليوم. ولما كان الغرض الذي أرمي إليه من نشر هذه المقالات إنما يتجه إلى وصف العلاقة التي تقوم اليوم بين التعليم