والحالة الاجتماعية والمهمة الكبرى الملقاة على عاتق التعليم في تنظيم الحالة الاجتماعية ودرء الأخطار التي قد يتعرض لها المجتمع المصري بقدر ما في مستطاع التعليم أن يدرأ منها، وجب أن أظهر أولا أن أشد الأخطار التي يتعرض لها الكيان الاجتماعي في مصر من ناحية التعليم أن الشاب المتعلم في مدارسنا العليا يفقد مع التعليم استقلاله الذاتي، باعتباره قوة لها حقيقة مستقلة عن القوى الأخرى التي تكتنفها. وقد يشعر بذلك الشاب المتعلم، وقد يشعر به الذين يعلمون أولادهم، حتى لقد نجد أن بعض القادرين على التفكير ينظرون نظرة تشاؤم إلى المستقبل القريب، وإن لهم في ذلك لحقا، وإن لهم في تشاؤمهم لأسبابا تبرره وحقائق تعلله، ومن أجل أن نظهر تطور الحالات التي أفضت بنا إلى هذه النتائج ينبغي لنا أن نذكر حقائق خمسا نرجع فيها إلى تاريخنا بعض الشيء:
أولا: حكمت مصر منذ أبعد العصور على نظام تباين الطبقات الاجتماعية، وعلى أساس الفوارق في الحقوق العامة؛ غير أن الطبقات أخذت تتقارب حقوقها الطبيعية وتنتفي من بينها الفوارق من عهد قريب، فالكل الآن متساوون أمام القانون، ولكل مصري حق الانتخاب والحكم من طريق مجلس النواب. فأخذ مظهر وجود طبقتين متمايزتين في الحقوق المدنية يزول شيئاً بعد شيء، فلقد كانت مصر القديمة مكونة من ثلاث طبقات هم: الحكام والكهنوت والشعب؛ ومنذ غزو الاسكندر وحكم البطالسة إلى حكم المماليك حتى بدء الاحتلال الإنجليزي كانت هناك طبقات تختلف حقوقها وامتيازاتها؛ أما الآن فقد انتفت هذه الفوارق نظرياً، ونقول نظرياً لأننا لا نزال نشكو من بعض مساوئها، بالرغم من أن أصغر فلاح في مكنته أن يقاضي أعظم عين في البلاد، وأن يأخذ حقه منه إن كان له حق
ثانياً: بالرغم من أن نظام الطبقات المتباينة في الحياة والحقوق هو النظام الذي اتبع في مصر منذ أبعد العصور، وبالرغم من أن حالة مصر الاجتماعية من خمسين سنة مضت كانت تكفل الاستقلال المادي لطبقتي ذوي الامتيازات والفلاحين معاً؛ بأن تحمل طبقة الفلاحين، وهي الطبقة العاملة، العبء كله، بأن تكفي نفسها وتكفي حاجات حكامها بقدر الاستطاعة، فأن الحالة الجديدة، حالة التساوي أمام القانون في الحقوق، قد أحدثت ظاهرة اجتماعية جديدة، كان سببها أن الفلاح قد خرج من كونه عاملا لا حق له في ملكية الأرض، إلى رجل حر له حق العمل متى شاء والانقطاع عنه متى أراد، وله فوق ذلك حق