للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

الملك، بل نقول إنه انتقل من عامل إقطاعي إلى رجل حر، فقامت على هذه ظاهرة اجتماعية جديدة

ثالثاً - هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة التي قامت على تحرير الفلاح المصري وعتقه من نظام الإقطاع الذي ظل خاضعاً له طوال القرون، قد قلب آية الحياة الاجتماعية في مصر. فإن هذا الفلاح لم يكن ينقصه شيء ليكون مستقلا تمام الاستقلال في حياته إلا قانون يحميه، ونظام اجتماعي يجعله يشعر بأنه قوة لها أثر قي الحياة؛ فلما وقع ذلك بالفعل أصبحت الطبقة الدنيا أي طبقة الفلاحين المسخرين التي كان عليها أن تحفظ استقلالها واستقلال الطبقة التي تعلوها، سيدة نفسها، وأصبحت طبقة الملاك وأصحاب الجاه كما كانت في الحالة الأولى عبئاً عليها، ولكن في صورة جديدة، هي صورة أخذت شكل صراع خفي بين طبقتين

رابعاً - ولقد انحصر مظهر هذا الصراع في طبقة تحررت من قيود النظام الإقطاعي وهي الطبقة المنتجة العاملة بيدها، فأصبحت مستقلة بنفسها. وهي طبقة قادرة على الحرث والغرس والحصاد في بلاد لن يزرعها غيرها، ولن ينتفع بها غيرها؛ فهي مستقلة مادامت من فوق الأرض التي يغذيها النيل بشرايينه المحيية؛ وهذه الخطوة الجديدة أحدثت ظاهرة أخرى

خامساً - عكفت الطبقة الأخرى، طبقة أصحاب الجاه على مطلب آخر تتقي به النتائج التي تترتب على استقلال الطبقة العاملة ولم تجد من وسيلة أقرب من تعليم أولادها ليكونوا حكام البلاد. ولكن طبقة الفلاحين أخذت تزاحم الطبقة الأولى في هذا المضمار، فأخذ الأثرياء منهم يعلمون أولادهم ليكونوا حكاما فنجحوا. ولكن بعد أن ملئت الحكومة بما تحتاج من حكم وكتبة قام شعور جديد بأن أولاد موظفي الحكومة والأثرياء الذين أخرجوا أولادهم من محيط الفلاحة إلى محيط العلم أقل استقلال مع تعلمهم من أبناء الفلاحين الجهلاء. وأصبحنا الآن والموقف بين متعلم عاطل يتطلع إلى مرتب أبيه أو ثروته ليعيش، وفلاح جاهل لا عمدة له في الحياة إلا خبرته الموروثة في فلح الأرض وقوة عضلاته ومحراثه وفأسه وماشيته. فهو رجل مستقل تمام الاستقلال في الحياة، على العكس من المتعلم العاطل. فإذا كانت الغاية من التعليم تخريج رجال مستقلين يكافحون في الحياة كفاح المنتج لا كفاح

<<  <  ج:
ص:  >  >>