على سلامة عرشه وشخصه، ويحميه من المؤامرات والدسائس الخارجية؛ وكان أولئك الجند الصقالبة يعتدون بقوتهم وسلطانهم ويمرحون في العاصمة ويسيئون أحياناً إلى أهلها، وكان الحكم يخشى بأسهم ويغضي عن تصرفهم وسوء سلوكهم؛ وكان عدد الحرس الخاص من الفتيان الصقالبة يبلغ زهاء ألفن، بيد أنهم كانوا يتمتعون بوفرة في الوجاهة والثراء، ويملكون الضياع الشاسعة، ويسيطرون على كثير من الأتباع والحاشية.
وهكذا أصبح الحرس الخلافي أو الفتيان الصقالبة في بلاط قرطبة أصحاب الحول والقوة، وغدوا عاملاً يحسب العرش حسابه، بل غدوا قبل بعيد حكماً في مسألة العرش وولاية العهد، مثلما غدا الحرس التركي في بلاط بغداد. وما توفي الحكم (سنة ٣٦٦هـ - ٩٧٦م) كان الصقالبة هم سادة الموقف وأصحاب الكلمة في ولاية العرش والخلافة. وكانت زعامتهم بيد فائق النظامي صاحب البرد والطراز، وجوذر صاحب الصاغة والبيازرة، وإليهما كان أيضاً أمر الغلمان الفحول خارج القصر. وكان رأي الصقالبة أن يصرف النظر عن تولية ولي العهد هشام بن الحكم، وهو يومئذ غلام في نحو الحادية عشرة حتى لا يفقدوا نفوذهم في ظل وصاية جديدة، وأن يولى الخلافة أخو الحكم المغيرة بن عبد الرحمن الناصر فيكون لهم بذلك فضل يمكنهم من توطيد نفوذهم وسلطانهم عليه؛ ولكن الحاجب جعفراً المصحفى أدرك ما يضمره الصقالبة من وراء هذا المشروع ولم يقرهم على ائتمارهم بولي العهد؛ ونظم البيعة لهشام ولي العهد بمعاونة الوزير محمد بن أبي عامر؛ ودبر الاثنان مقتل المغيرة بن الناصر خشية مناوأته، وتولى ابن أبي عامر تنفيذ الجريمة، وبذا استقر هشام المؤيد في العرش الخلافي، وانهار مشروع الصقالبة؛ ودبت الوحشة على أثر ذلك بين الصقالبة والحاجب جعفر، فأخذ يتحين الفرصة لسحقهم؛ وكان ابن أبي عامر يستميل الصقالبة ويداريهم بادئ ذي بدء حتى تمكن نفوذه في القصر وفي الجيش؛ وعندئذ اتفق مع الحاجب على نكبة الصقالبة وتشريدهم، ولم يدخر في ذلك وسيلة ظاهرة أو مستترة حتى شرد زعماؤهم واستصفيت أموالهم وأخمدت شوكتهم، ونفي زعيمهم فائق إلى الجزائر الشرقية (جزائر البليار)، وفي ذلك يقول شاعر معاصر هو سعيد الشنتريني: