ولما سما أمر ابن أبي عامر وسحق كل خصومه ومنافسيه واستبد بالسلطة، رأى أن يتخذ من البربر بطانة له وخولا وأن يستعين بهم على العرب، فقدمهم في الحكومة والجيش، وعمل على تمزيق القبائل العربية؛ وكانت العصبية العربية قد اضمحلت منذ بعيد، فلم تلق السياسة الجديدة معارضة تذكر؛ وهكذا حل البربر مكان الصقالبة في الالتفاف حول السلطة العليا والتمتع برعايتها، بيد أن الصقالبة لم يفقدوا كل نفوذ بعد، فقد استمر عدد كبير منهم يشغل وظائف الخاص بالقصر؛ ولما أنشأ ابن أبي عامر حاضرته المعروفة بالزاهرة، واتخذ سمة الملك وتسمى بالحاجب المنصور، عاد إلى اصطناع الصقالبة، واتخذ منهم إلى جانب البربر حاشية وبطانة؛ وحشد منهم كثيراً في الجيش؛ والظاهر أن هذه الطائفة أعني الصقالبة كانت تتمتع بصفات وخلال خاصة تجعلها أداة لينة صالحة في يد السياسة القوية الحازمة، وإذا كان الصقالبة قد بدوا في أحيان كثيرة خطراً على الدولة والعرش فقد كان من أثر السياسة التي تمد لهم في السلطة وتسمح لهم باستغلالها، وتغضي عن صلفهم وتمردهم؛ وقد كانت هذه حال الصقالبة في عهد الحكم المستنصر وحين وفاته، فقد بلغ من سلطانهم ونفوذهم أن اعتزموا التصرف في أمر العرش طبق أهوائهم، ولولا أن سحقتهم يد ابن أبي عامر القوية لاستمر سلطانهم المطلق. بيد أن ابن أبي عامر لم يجد بأساً بعد أن أخمد شوكتهم وشرد زعماءهم من أن يستخدمهم أداة لتنفيذ إرادته، بل لم يجد بأساً من أن يرفع بعضهم إلى أسمى المناصب، كما حدث في شأن مولاه الفتى واضح الصقلبي، فقد منحه حكم الولايات الجنوبية وولاه قيادة الجيش الذي بعثه لمحاربة أقوى وأخطر خصومه زيري بن عطية البربري حاكم المغرب الأقصى؛ وقد كان لواضح هذا وعصبته الصقالبة شأن عظيم فيما تلا من الحوادث والخطوب.
ولم يستطع الصقالبة في ظل حكومة المنصور القوية أن يتدخلوا في شؤون الدولة أو يؤثروا في سيرها وتوجيهها؛ فلما توفي الحاجب المنصور (٣٩٣هـ - ١٠٠٢م)،