وانهارت الدولة العامرية بعدئذ بقليل، رأى الصقالبة الفرصة سانحة للعمل، فانضموا إلى الحزب الأموي الذي عمل لإسقاط الدولة العامرية وسحق البربر الذين آزروها ومكنوا لها؛ ولما ظفر محمد بن هشام زعيم هذا الحزب ببغيته واستولى على قرطبة وتلقب بالمهدي، انضم إليه الفتى واضح وعصبته الصقالبة واتخذ واضحاً لحجابته وانضم فريق آخر من الصقالبة بزعامة خيران العامري وزميله عنبر إلى سليمان المستعين خصيم المهدي ومنافسه، وجرت بين الفريقين مواقع جمة، واستتب الأمر للمهدي؛ ولكن الصقالبة لم يخلدوا إلى السكينة ورأوا صالحهم في إبعاد المهدي عن العرش، فتفاهم الصقالبة من الحزبين وائتمر واضح وخيران بالمهدي فقتله الصقالبة، في الحمام (سنة ٤٠٠هـ) وأخرج واضح الخليفة المؤيد هشام المحجور عليه، وكان سجيناً بالقصر منذ أيام المنصور، وأجلسه على العرش؛ وتولى واضح حجابته، واستأثر بكل رأي وسلطة؛ وقبض على ناصية الأمور في قرطبة مدى حين؛ ولكن سليمان المستعين لم يلبث أن هاجم قرطبة في مجموعة البربر ثم دخلها رغم كل ما اتخذه له واضح من الأهبة لمقاومته، وفتك جنده بالسكان أيما فتك، واقتحموا مدينة الزهراء وخربوها (٤٠١هـ)؛ فعندئذ رأى واضح السلامة في خيانة المؤيد واللحاق بالمستعين؛ ولكن الجند الصقالبة وقفوا على نيته في الوقت المناسب فقتلوه؛ واستمر الصقالبة في الدفاع عن قرطبة وعن المؤيد وعرشه، والمستعين يحاول استمالتهم عبثاً، واضطرمت الحرب بين الفريقين مدى حين، وانتهت باستيلاء سليمان على قرطبة في مناظر هائلة من السفك والعيث (٤٠٣هـ) وانهار سلطان الصقالبة بانهيار عرش المؤيد؛ وبدأ سلطان البربر، واستأثروا بحكم الثغور والنواحي، وانتثر عقد الخلافة وانقسمت الأندلس إلى دويلات وإمارات صغيرة، وبدأ عهد الطوائف.
بيد أن الصقالبة لم ينسحبوا نهائيا من الميدان، ولم يختفوا نهائياً كعامل يؤثر في سير الحوادث فقد اجتمع فلهم حول زعيم منهم، من صنائع الدولة العامرية، هو خيران العامري؛ واستقر خيران بعصبته ومن لحق به من خصوم المستعين والبربر إلى المرية بعد أن أستخلصها من يد البربر؛ وفي الوقت نفسه عبر علي بن حمود حاكم سبتة في جيش من البربر إلى الأندلس محاولاً أن يشق له خلال الاضطراب طريقاً، وتفاهم مع خيران العامري والصقالبة وتحالفا على محاربة المستعين، ثم زحفا بجموعهما على قرطبة،