ونشبت بين الفريقين حرب رائعة هزم فيها سليمان وأسر ثم قتل مع أفراد أسرته؛ وجلس علي بن حمود على العرش وتلقب بالمتوكل (٤٠٧هـ). ولجأ في الحال إلى سياسة الإرهاب والشدة، ولم يترك أي مجال أو سلطة للصقالبة، فسخط عليه خيران وتركه، وأظهر الخلاف عليه. وأثار المتوكل ببطشه وشدته زعماء العرب، واشتدت عليه النقمة، ولم يلبث أن قتله الصقالبة في الحمام (أواخر سنة ٤٠٧هـ) وبذلك استطاعوا أن يؤثروا في سير الحوادث كرة أخرى.
ولما توفي المتوكل خلفه أخوه القاسم بن حمود وتلقب بالمأمون، وعدل عن سياسته الشدة إلى اللين والمسالمة، واستمال خيران العامري الذي استعصم بالمرية، وأقطع زميله زهير العامري ولاية جيان؛ وكانت الحوادث تتطور بسرعة، وكان الخلاف يضطرم فيما بين آل حمود؛ فانتهز الزعماء العرب تلك الفرصة وتفاهموا مع الصقالبة ضد أل حمود والبربر، واستخلصوا قرطبة من يد المتغلبين عليها؛ بيد أن نجم الصقالبة كان بدأ بالأفول، ولم يكن يسطع يومئذ إلا غرارا؛ وكانت دولتهم قد انهارت في الواقع وتفرقوا بين مختلف الصفوف والأحزاب؛ وكانت آخر مظاهر سلطتهم أن تولوا الحجابة لإدريس بن حمود الذي استقر في مالقة وتلقب بالمتأيد بالله، فتولى حجابته نجا الصقلبي مدى حين، ولكن دون عصبية ظاهرة.
وكان هذا آخر العهد بتدخل الصقالبة في سير الحوادث الأندلسية بصورة بارزة. ومن ذلك الحين يختفون من ميدان الشؤون الأندلسية كقوة فعالة لها أثرها الحاسم في توجيه الحوادث، ومن ذلك الحين يبزغ نجم البربر؛ وتتحول المعركة الداخلية إلى نضال مزدوج، نضال ملوك الطوائف فيما بين أنفسهم، ثم نضالهم ضد العدو المشترك أعني أسبانيا النصرانية؛ ثم يجيء دور البربر في السيادة المطلقة بسرعة، فتنهار دول الطوائف الصغيرة تحت ضرباتهم القوية، وتسقط الأندلس في يد المرابطين ثم يفتتحها الموحدون، فتستمر سيادة البربر عصراً آخر؛ ثم تنهض مملكة غرناطة في تلك الغمار والخطوب العصيبة فتسطع في الأندلس حتى يحل الصراع الأخير.