بتعقب الجاحظ، يعربان أدبه الراقي وفكاهاته الظريفة، ويعتديان على ذلك البيان الواضح بقولهما إنّ أنْ هذه مفسرة وتلك مخففة من الثقيلة، والتعليق على (كان) بأنها مرة تامة وأخرى ناقصة إلى غير ذلك من مسائل الإعراب التي زهدت الطلبة في العربية إبان طلبهم للعلم بالمدارس. فإذا بالمخرجين لم يكفيهما إلحاح بعض المدرسين في ذلك على طلابهم حتى زادا الإبالة ضغثاً والكيل طفحاً
وما ندري كيف اجتمع في صدر هذين الرجلين أو صدر أحدهما على التحديد هذا الإلحاح في مسائل الأعراب، مع الرغبة في تيسير قواعد اللغة العربية وقد كان أول مظاهرها عند هؤلاء الميسرين إهمال ذلك الإعراب!
والكتاب إلى ذلك مظهر آخر لهذا الذي يسمونه تطبيقاً على البلاغة فما تزال ترى في تعليقاتهما أن هذا التركيب استعارة وذلك تشبيه أو مجاز بالحذف أو إطناب أو إيجاز، وكأنما ظن المخرجان أن الجملة لا تفهم إلا إذا أعربت، ولا تقدر قيمتها في البيان إلا إذا طبقت عليها علوم البلاغة بوضعها الذي نعرفه. ولسنا نحرم على شراح كتاب ككتاب البخلاء أن تكون منهم إشارة إلى مثل ذلك، ولكن حضرتي المخرجين أسرفا في ذلك حتى صح في نظري أن أعتبر هذا الشرح كراسة تطبيق على النحو والبلاغة. وصرت أعد نفسي حين قراءته طالباً من طلاب الشهادة الثانوية أتزود للامتحان قبله بأيام. وهذا إسراف في حق الأدب أو الأدب الرفيع الذي إن صدق على شيء فأول ما يصدق عليه هو كلام الجاحظ
وليت المخرجين حين فعلا ذلك كانا موفقين إلى الصواب سالكين النهج الجدير بمكانتهما بين أهل العربية في عصرنا! ولكن الذي كان موضع العجب أنهما زلا في كثير من هذه المواضيع التي أرادا أن يدلا بمعرفتهما فيها على جمهور الأدباء ممن يجهلون أو يتجاهلون ذلك.
كان هذا حقاً موضع العجب من أمر رجلين عظيمين قضيا حياة طويلة في نقاش المعلمين، ومحاسبتهم على عباراتهم وإشاراتهم، حتى كان للهمزة توضع في غير موضعها، وحرف الجر ينوب عن غير مشادات ومصاولات، ثم فوز لهذه الاعتبارات الهينة يظهر أثره في التقارير، فإذا هذا المعلم مهمل لأنه لا يعنى بوضع الهمزات مواضعها، وإذا بذاك مجيد لأنه