للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

راعى رغبة المفتشين في هذه الدقة وتلك الشدة.

قلنا إن طريقنا في نقد المخرجين كانت شائكة، وإن الخطة كانت ملتوية، وما قصدنا في هذا إلى صعوبة المآخذ وغموض الصواب علينا، فقد والله قيدنا ملاحظاتنا في أثناء قراءة هادئة لم نقصد منها إلا التمتع بأدب الجاحظ واللهو بفكاهته، فإذا المآخذ تنادينا وتقول خذوني!

وإنما شاكت الطريق والتوت الخطة لأننا اضطررنا في سبيل العربية أن ننال من علمين من أعلامها بيننا؛ ولم يكن نيلنا في أمور يحتمل فيها الخطأ، أو يقبل اعتساف الرأي لدقة المسلك أو حلكة الشبهة، بل قد وجدنا هذه المآخذ يشتد العيب فيها على ناشئ في العربية لا يزال يتعثر في ذيول الإعراب والتطبيق، فآلمنا أن نجرح بمثل هذه المآخذ عالمين فاضلين من أفذاذ المصريين فيما نصبا أنفسهما له، وتصديا للرياسة فيه من علوم.

وقد كنا هممنا أن نبوب للقارئ هذه المآخذ فنجمع متشابهاتها تحت عناوين تشملها: فهذا عنوان الأغلاط النحوية، وذاك عنوان المآخذ اللغوية، وذلك باب الفهم النابي أو الترجيح للمرجوح و. . . ولكنا رأينا أن نجعل مآخذنا تساوق صفحات الكتاب، فكلما مررنا بواحدة منها تكلمنا عنها وبينا وجه الصواب فيها

في أول صفحة من الكتاب في تعليل ذكر نوادر البخلاء بين جد وهزل (لأجعل الهزل مستراحاً، والراحة جماماً) وفي التعليق على هذه العبارة يقول الشارحان: الجمام: الراحة

وهذا التفسير ظاهر الخطأ لأنه ينتهي بالجملة إلى أن تكون هكذا: لأجعل الراحة راحة، وهذا غير جائز في حقيقة ولا محاز

ومأتى هذا الخطأ من الشارحين أنهما وجدا في كتب اللغة تفسير الجمام فيما تفسره بالراحة، فارتاحا إلى هذا وفاتهما أن هذه الكتب عينها تفسره أيضاً باجتماع النشاط وتراجع القوة. تفهم ذلك من قول القاموس: جمت البئر تراجع ماؤها، والفرس ترك الضراب فتجمع ماؤه، وترك فلم يركب فعفا من تعبه. . . فهذه العبارات تفيد معانا صراحة وتعفينا من تفسير الماء بالماء كما حصل من حضرتي المخرجين

وفي ص٢٦ مسألة ذات بال سيتعب القارئ من تتبعهما ولكنهما ستنتهي به إلى نتيجة شديدة على الشارحين، فليجعل حكمه على فهمها ووقوفه على مقدار ذوقهما ثمناً لهذا التعب

<<  <  ج:
ص:  >  >>