قال الجاحظ (فأما ما سألت من احتجاج الأشحاء ونوادر أحاديث البخلاء فسأوجدك ذلك في قصصهم إن شاء الله تعالى مفرقاً وفي احتجاجهم مجملاً، فهو أجمع لهذا الباب من وصف ما عندي دون ما انتهى إلى من أخبارهم على وجهها وعلى أن الكتاب أيضاً يصير أقصر ويصير العار فيه أقل)
قال الشارحان (فهو الخ: الضمير عائد إلى (ذلك) أي أن احتجاج الأشحاء ونوادر أحاديث البخلاء منبثة في قصصهم مفرقة ومجملة - أجمع لهذا الباب (باب البخل) من وصف الخ والجار والمجرور في قوله من وصف حال من (ذلك) في قوله: فسأوجدك ذلك و (دون ما انتهى) حال من وصف ما عندي. والمعنى سأطلعك على ذلك حال كونه من وصف ما عندي من مشاهدات أحوال البخلاء ونتائج معاشرتي إياهم وسيكون هذا غير ما سأذكره أيضاً مما انتهى إلى من أخبارهم)
تدبر أيها القارئ عبارة الشارحين واعصر ذهنك في ضمائرها وإشاراتها وأحوالها ومتعلقاتها فإن محاولة إفهامك مرادهما شاقة عسيرة إلا إذا اجتمعنا أمام سبورة أكتب لك عليها الجملة بالأحمر والأصفر وأجعل أتنقل بك من ضمير إلى أسم إشارة واصلا هذا بذاك حتى تفهم المراد
ولكن ينبغي أن تعلم أن السر في هذا التعقيد هو عدم اهتدائهما إلى مرجع الضمير في قوله:(فهو أجمع. . .) كذلك اعتبارهما الجار والمجرور (من وصف) متعلقاً بحال من (ذلك). وقد أوقعهما هذا التقدير في مشكل نحوي لم يلتفتا إليه وهو وقوع اسم التفضيل المنكر المجرد من الإضافة، بدون من تالية له جارة للمفضل عليه، كما تقول: محمد أكرم من علي، فيكون (من علي) متعلقاً بأكرم وهذا ملتزم في مثل ذلك التعبير.
أما الذي نقوله في عبارة الجاحظ فهو أن الضمير في قوله (فهو أجمع) يعود على مصدر الفعل (أوجد) والجار والمجرور (من وصف) متعلق باسم التفضيل (أجمع) فيكون المعنى: إن إيرادي لقصصهم واحتجاجاتهم أشمل لهذه النوادر من أن أقتصر على إيراد ما عانيته بنفسي من أحوالهم، مع ترك ما وصل إلي من أخبارهم عن طريق الراوية، إذ أني لو اقتصرت على إيراد ما عانيته وحده ما استطعت أن أذكر شيئاً كثيراً فيقصر الكاتب، كذلك مشاهداتي وحدها لا تمثل شناعة فعل البخلاء كما تمثله الحكايات التي تناقلها الناس عنهم