للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والله لقد صدق صديقنا البشري فيما قال! وإن كاتب هذه السطور لم يتعظ بنصح الخريت المجرب فوقع في المحظور ودفع الثمن باهضا غاليا

وتحرير الخبر أنني حين كنت (موظفا) حكوميا استكتبتني صحيفتان كانت لهما مكانة وكان لهما قراء، وكان الأجر الذي أتتقاضاه منهما مجتمعتين يفوق اجري من الوظيفة فطوع لي ذلك أن أهجر العمل الحكومي - بإغراء من إحدى الصحيفتين - فهل يعرف القارئ ماذا حدث بعد ذلك؟

أدركت الجريدة الأولى أنه لم يعد لي عمل حكومي، وأن ظهري اصبح غير مسنود، فحملتني على ترك العمل بها، ولم آس على ذلك كثيرا لقد كان الأجر الذي أخذه من الصحيفة الأخرى كافيا، بيد أنه لم يمض على هجري الصحيفة الأولى إلا بضع اشهر حتى بدا للجريدة الأخرى أن تستغني عن (خدمتي) وكذلك أصبحت فارغا من العمل في فترة لا تبلغ العام منذ أن استقلت من الوظيفة الحكومية. أدركت عند إذ مبلغ نصيحة الشيخ عبد العزيز البشري من الصدق، وأن الصحافة بالنسبة للأديب إنما هي كالدنيا بالنسبة لرجل الدنيا

وأتلفت اليوم حوالي فأرى جهابذة الأدب أقلامهم معطلة وكان ينبغي أن يغترفوا الذهب من الإناء الذي يضيق دونهم ويتسع لصعاليك الصحافة على حد تعبير المرحوم الأستاذ مصطفى الرافعي، أو هلافيت الصحافة بتعبير الأستاذ العقاد!

ولو كان للأدباء حظ، أو لو كان للأدب ذاته كيان مادي لاعتمد على هذا الكيان أمثال العقاد وطه حسين وتوفيق الحكيم فإن الأدب الصحيح كان خليقا أن يحمل على متنه هذا الثالوث العظيم فلا يحتاج الأول لأن يكون عضوا في الشيوخ ولا يحتاج الثاني لكي يكون وزيرا ولا يحتاج الأخير لكي يكون مديرا لدار الكتب،

إن الأدب لم يستطع أن يحمل هؤلاء الأدباء الأفذاذ في سفينته الجارية، بله أدباء الدرجة الثانية، وأدباء الطبقة الثالثة ومن دونهم

والصحافة الآن هي الوسيلة لنشر الأدب، ذلك لأن الجريدة اليومية أو المجلة الأسبوعية تكون عادة في متناول العامة لرخص ثمنها، وليس كذلك الكتاب الذي لا بتداوله في العادة إلا خاصة المتأدبين، ولكن الصحافة جنت على الأدب، أو جنت على (فنيته) كما قال

<<  <  ج:
ص:  >  >>