وهذا الكلام من صاحب الكتاب فيه أكثر من عجيبة واحدة فإن قوله:(زعيمهم وسيدهم الخ) خلط بين حال النبي بعد فتح مكة وحاله قبل فتحها، قبل الهجرة؛ فإن الآية التي ذكر من سورة هود، وسورة هود مكية أي نزلت قبل الهجرة. ولم يكن عدد المسلمين قبل الهجرة يزيد على بضع مئات إن كان بلغها، فلم يكن للنبي صلى الله عليه زعامة على أهل مكة بله العرب إذ ذاك ولا سيادة. فصاحب الكتاب إما أن يكون على جهل بالآية متى نزلت، وإما أن يكون أراد اتقاء التهمة عند الناس
وفي قوله:(وهل كان في مقدور العرب أن يكونوا جميعاً أنبياء حتى يصلوا إلى ما وصل إليه مواطنهم الخ) عجيبة أخرى، لأن فيه إشارة خفية أو ظاهرة إلى أن محمداً وصل إلى القرآن من نفسه بصدقه الذي عرفوه فيه قبل نبوته، ولما لم يكونوا مثله في الصدق لم يستطيعوا أن يأتوا بقرآن كقرآنه، ولو كانوا مثله في الصدق لاستطاعوا. وإذا كان العرب جميعاً لم يكونوا على مثل صدق محمد قبل نبوته، فليس من الممتنع عقلاً أن يكون بعضهم كان على مثل صدقه ذلك. فكلام صاحب الكتاب هذا يترك الباب مفتوحاً لإمكان إتيان بعض العرب بمثل القرآن، من غير أن يفسر لماذا لم يأت ذلك البعض بمثله
ولا يتبين ما وراء هذا الكلام لصاحب الكتاب إلا إذا قورن بقوله من مناظرة له في كلية الآداب:(فيكم من قرأ القرآن وفيكم من قرأ التوراة وفيكم من قرأ الإنجيل. . . وهل فيكم من ينكر أن من أعظم الجوانب في تلك الكتب هي الجوانب الخاصة بالتشريع؟ ولمن توضع قواعد التشريع إذا اطمأن الأنبياء إلى أن المجتمع في أمان من شر الفساد والانحلال) وفي قوله: (إذا اطمأن الأنبياء) الدليل كل الدليل إلى رأي صاحب الكتاب في قواعد التشريع في القرآن والتوراة والإنجيل هل هي من وضع الأنبياء أو من عند الله. ومن هنا يتبين ماذا أراد بقوله:(وهل كان في مقدور العرب أن يكونوا جميعاً أنبياء) إلى آخر ما قال تفسيراً لعدم استطاعتهم الإتيان بمثل القرآن
على أن همنا الآن ليس هو العودة إلى تبيان رأي صاحب الكتاب في القرآن لمن هو؛ فهذا إنما جاء عرضاً، ولولا ما جاء متعلقاً به في الشاهد الذي أوردناه من كلام صاحب الكتاب ما عرجنا عليه. إنما همنا أن ندل على عجيب سوء فهم صاحب الكتاب للآية التي أورد