الذي شهد وقيعة (فخ) متقلداً سيفين ينفح عن حق كان يراه مبزوزاً، ويكافح عن سيد كان يرى نفسه محلاً عن مكانته، فلما أسر أخذه الرشيد وحبسه عند جعفر - على ما قدمنا - فضاق صدره بالحبس وكتب إلى الرشيد رقعة يشتمه فيها شتما قبيحا، فلم يلتفت إلى ذلك لأنه عالم بالعزة العلوية والاستبسال الهاشمي، ولم يأمر إلا بالتوسيع عليه والترفيه عنه، فكان من أمره مع جعفر ما كان.
وقال السيد نعمة الله الجزائري في سبب هلاك البرامكة على يد الرشيد (وقد ذكرنا أن السبب فيه ظاهرة حكاية العباسة أخت الرشيد، وإما السبب الحقيقي فهو دعاء أبي الحسن الرضا - ع - على آل برمك في موقف عرفة لأنهم سعوا بالكاظم - ع - وكانوا أقوى الأسباب في شهادته وهذا التعليل وأن أورده الجزائري على حسب اعتقاده وتربيته الدينية؛ ففيه رد شديد على القائلين بأن هوى البرامكة كان مع العلويين؛ وبلغ الطيش ببعضهم أن جعلوا كل حركة للفرس دعوة للعلويين وطلاباً بحقهم، وانتصاراً لهم، ونشراً لمذهبهم، وأين الزندقة من صريح الإسلام؟
وقال بهاء الدين أبو الحسن علي بن فخر الدين عيسى الأربلي الكردي في ترجمة الإمام موسى بن جعفر الكاظم ما صورته (وكان السبب في قبض الرشيد على أبي الحسن - ع - وقتله ما ذكره أحمد بن عبيد الله بن عمار عن علي بن محمد النوفلي عن أبيه. . عن مشايخهم قالوا: كان السبب في أخذ موسى بن جعفر - ع - أن الرشيد جعل ابنه في حجر جعفر بن محمد بن الأشعث فحسده يحيى بن خالد بن برمك على ذلك وقال: إن أفضت إليه الخلافة زالت دولتي ودولة ولدي، فاحتال على جعفر بن محمد - وكان يقول بالإمامة - حتى داخله وأنس به، فكان يكثر غشيانه في منزله فيقف على أمره ويرفعه إلى الرشيد ويزيد عليه في ذلك بما يقدح في قلبه، ثم قال لبعض ثقاته: أتعرفون لي رجلا من آل أبي طالب ليس بواسع الحال يعرفني ما أحتاج إليه، فدل على علي بن إسماعيل بن جعفر بن محمد، فحمل إليه يحيى بن خالد مالا، وكان موسى - ع - يأنس بعلي بن إسماعيل ويصله ويبره، ثم أنفذ إليه يحيى بن خالد يرغبه في قصد الرشيد ويعده بالإحسان اليه، فعمل على ذلك، فأحس به موسى - ع - فدعا به وقال له (إلى أين يا ابن أخي؟) قال إلى بغداد. قال وما تصنع؟ قال علي دين وأنا مملق، فقال له موسى: أنا أقضي دينك وأفعل لك واصنع.