وكان إلى ذلك أيضاً رقيق المشاعر، لكنه متكبر. وكان يعيش في الخيال. ويبتعد عن الواقع، ويقول:(إن الإنسان لا ينعم بما يناله، بل بما يأمله، ولا يحس المرء السعادة إلا عند ارتقاب السعاد). فرجل كهذا، قد يجد في عزلته من النعيم ما لا يجده بين الناس. ولكن هناك المجد. . وكيف يدركه؟
واستطاع أن يتصل بمدام دوبان التي كانت تستقبل عظماء باريس كلها وصادق ابن زوجها (فرانكويل) وكان هذا عاشقاً (مدام ديبيناي ' ثم انضم إلى جانب الفلاسقة. وعندما وضع مجمع ديجون بالمسابقة خطابا حول الفنون والعلوم، كتب دفاعه الشهر ثالباً محاسن المدنية:)
(. . . أيتها الفضيلة، أما نقشت مبادئك في جميع القلوب، أو لا يكفي، لكي نعلم قوانينك، أن ينحني الإنسان على نفسه فيصغي إلى صوت ضميره، عند صمت الأهواء. . .)
وذاع صيت روسو، وعرف بأنه عدو لدود للعواطف المتكلفة، وأنه صديق الطبيعة. هذا أول لقب من ألقاب المجد، فليفتش عن لقب آخر
وفي السنة ١٧٥٢، مثلت روايته (عراف القرية أمام الملك في فرساي، وأوتيت حظاً كبيراً من النجاح فتطلع الناس كلهم إلى معرفة روسو والتحدث إليه
لكن هذا العالم الذي استقبله ورحب به، لم يكن قد خلق له. ولم تكن أبهاء باريس، وما فيها، لتروقه. (كانوا يلهون، يحاولون الجمع بين الفكر والعقل، ولا يتعمقون في المباحث خوف الملل. ويجنحون إلى الإيجاز، ثم لا تجد واحداً ينقد رأي آخر، أو يؤيده، ويتعصب له. . .)
فماذا يفيد روسو من هذه المحادثات؟
وعزف عن الناس، وانقطع إلى أمام ديبيناي، في أحضان الطبيعة
وهفن نفسه إلى تأليف رواية يدور موضوعها على الحب؛ هذا الحب الذي لم ينعم به في أيام صباه، وقد هاجه ما يحيط به في عزلته هذه، في دار مدام ديبناي. لقد ذاق طعم حياة هادئة فيها راحة وهناءة وسذاجة. وتمتع بمرأى الغابات والحقول، ولذته أناشيد العصافير، وأسكرته عبقات الأزاهير. أنها عزلة حلوة، ولكن، ما كان أكثر جمالها وأشد هناءتها، لو كانت عزلة مخلوقين اثنين عن الناس، عزلة قلبين متحابين يعيشان في دار كهذه، وينعمان