بطيب الحياة، وكان الربيع الطلق قد أقبل يضحك ويغني، وفي كل مشهد من الطبيعة نداء للحب. فأغراه ذلك كله على كتابة رواية ما. فبدأ، وأحاط حوادثها بمنظر الطبيعة التي عاش فيها وتمتع بروائها، أيام كان صبياً غض العود، على ضفاف بحيرة جنيف. وسماها هيلوئيز الجديدة لأنها تشابه مغامرة هيلوئيز وآبيلار، المؤدب الذي عشق الفتاة التي عهد إليه أن يؤدبها. وتخيل شاباً لا نسب له ولا مال، اسمه سان برو، يحاكي روسو في خلقه، ويخالفه في تبلده، قد أتى به ليؤدب جوليا ابنة السيد ديتانج الغني السويسري. وكانت قد أوتيت الجمال والشرف والتهذيب. فما أن رآها حتى أحبها. فكتم حبه. فلما ثار الهوى، وضاق به ذرعاً، كتب إلى جوليا رسالة حبه الأولى. وهي رسالة رقيق تفضي إليها بحبه
كان سان برو كروسو، تؤثر فيه العواطف وتهزه الأهواء. وكان، كما قلنا، خيالياً حالماً، فلم يطمع من جوليا بما يصعب نواله ويستحيل إدراكه، بل كان يريد أن يقول لها:(إن ملامحك خلابة بهرت عيني. . .)
(. . . إن أبصارنا تتلاقى، فتفلت من صدورنا بضع آهات في وقت معاً، وتنحدر بضع دمعات. . .
(. . . لقد حاولت اليوم، مائة مرة، أن أرتمي على قدميك فأنديهما بعبراتي، فيفل شجاعتي دائماً رعب قاتل، وترجف ركبتاي ولا تطيقان ثنياً. . .)
وينمو الحب في قلبي العاشقين، ويحاول سان برو أن يفر خوف الفضيحة فيسافر، وتتبعه رسائلها تدعوه فيها، لكن كيف السبيل إلى صون الشرف. كلا العاشقين قد أذلهما الهوى. ويريدان أن يبقيا شريفين طاهرين؛ فكانت تتمنى إلا يجفوها صادقة في حبها إياه، ولم يشأ روسو أن يغريها. . فتألم وبئس، وأذعن، ثم شعر بالملل، وكان يراسلها فانقطع عن مراسلتها.
وعاد روسو إلى روايته يتمها. . .
فتخيل أن جوليا تجبر على زواج رجل روسي نبيل اسمه سان برو، وتتطلب أن يحبها، وأن يصونها ويحترمها
ولكي تتم الرواية، جعل روسو لهذين البطلين وصيفين يكتمان أسرارهما. فاتخذت جوليا ابنة عمها، واتخذ سان برو صديقه ميلورد ادوارد، ويجتمع سان برو بجوليا، وتكون معهما