وبين نظرية علمية أن الاعتقاد فيه عند معتقديه عنصر من الحقيقة المطلقة. أما النظرية العلمية، فهي عند أهلها صحيحة ما دامت نافعة. ويعتبر رجل العلم حتى أحسن نظرياته وسيلة مؤقتة تعينه على طريقه. ولا ينفك ينظر حوله منقباً لعله يجد شيئاً خيراً منها وأشمل. . .
ويرى بعض الفلاسفة من أتباع وليم جيمز أننا حين نقول عن معتقد إنه حق لا نعني أكثر من أنه نافع - أي أن كل حق في رأيهم إنما يحكم له أو عليه بالاختبار والتجربة لا عن طريق آخر)
أما إذا خرج العالم عن دائرته (دائرة الحقائق القطعية) وأدلى برأي فيجب أن نحترس منه ولا نقبل كل قوه من غير تمحيص؛ لأن العالم أحياناً يتفلسف ولكل عالم هفوة.
ومهما يكن فلكل شيء حد إذ جاوزه اختلت موازينه، وكما يقول ابن خلدون في مقدمته:(لا تثقن بما يزعم لك الفكر من أنه مقتدر على الإحاطة بالكائنات وبأسبابها والوقوف على تفصيل الوجود كله، وسفه رأيه في ذلك. واعلم أن الوجود عند كل مدرك له في بادئ رأيه ينحصر في مداركه لا بعدوها؟ والأمر في نفسه بخلاف ذلك والحق من ورائه: ألا ترى الأصم كيف ينحصر الوجود عنده في عالم المحسوسات الأربع والمعقولات، ويسقط من الوجود عنده صنف المسموعات؟ وكذلك الأعمى بالنسبة للمرئيات. . . ولو أننا سألنا الحيوان الأعجم ونطق لوجدناه منكراً للمعقولات) من منطق ورياضة. . . الخ (وكانت ساقطة لديه كلية) وكذلك الدودة بالنسبة للجهات النائية والسماء. فهل ينحصر الوجود حقاً فيما ندرك وما عداه معدوم؟ (فانهم إدراكك ومدركاتك واتبع ما أمرك الشارع به من اعتقاد وعمل لأنه أعلم بما ينفعك وأحرص على سعادتك).
(العقل ميزان صحيح ولكنك لا تطمع أن تزن به أمور التوحيد والآخرة وحقيقة الوجود والنبوة وكل ما وراء طوره؛ فإن ذلك طمع في محال. ومثال ذلك مثال رجل رأى الميزان الذي يوزن به الذهب فطمع أن يزن به الجبال) اهـ
وهذه الكهرباء والمغناطيسية والجاذبية كلها موجودات نعرفها - فقط - بآثارها، ولكن العلم الحديث أثبت أنه لا يمكن إدراك كهها. فهل معنى أننا نعجز عن إدراكها يجعلنا نستطيع أن ننكر وجودها؟.