الشعراء، فليس معنى ذلك أن الزمن سيظل بأمثالهم عقيماً.
وفي التاريخ الإنساني لجميع الأمم شواهد ناصعة على ذلك، وهي شواهد لا تقبل الجدل ولا اللجاج.
ففي الأدب العربي والإنجليزي والفرنسي وسائر الآداب ما يقيم الدليل على أن الشعر لم يمت وإن مرت به عصور أوشكت فيها روحه أن تفيض، وأنفاسه أن تخنق.
وهنا تتراءى لنا مشكلة لا بد من أثارتها في هذا المجال. فقد كان الأسلوب الشعري هو الغالب في العصور القديمة، وكان النثر تقعد به مكانته دون التعبير عن العواطف الجائشة، والإحساس المتدفق الفوار. أما في العصر الحديث فقد نهض النثر نهضة عظيمة، وراح يزاحم الشعر مزاحمة ظاهرة في هذا المجال. فأدب المقالة اليوم هو في الذروة من حيث استيفاء أغراضه؛ وهي أغراض تشترك في كثير من الأحيان مع الشعر
وما يقال عن المقالة يقال عن القصة في هذا الباب. فالأدب التمثيلي عند (شكسبير) قد حلت محله مسرحيات (برناردشو) النثرية، ومسرحيات (شوقي) حلت محلها مسرحيات (توفيق الحكيم)
وهناك شيء آخر له خطورته على تضييق دائرة التعبير الشعري وهو ما شاع في العصر الحديث من وسائل الثقافة الفنية المختلفة التي زاحمت الكتاب سواء ما كان منه شعراً أم نثراً، وأخطر هذه الوسائل هي السينما والصحافة والمذياع.
وهكذا نلاحظ أن مجال الشعر قد أخذ يضيق ويضيق حتى أصبحت دائرته لا تكاد تجاوز التعبير عن الحالات التي لا يغنى فيها التعبير الموزون تعبير سواه.
أما دعامة الشعر الثانية وهي التي تتصل بالقارئ فيبدو أنها الظاهرة التي أخافت الأستاذ (الحكيم) وجعلته يتساءل هذا التساؤل الوجل في (أخبار اليوم)، فنسى أن يذهب بالتعليل إلى أصوله القريبة والبعيدة
فالقراء اليوم مدبرون عن الشعر منصرفون إلى أدب السطوح لا الأعماق - إن صح هذا التعبير -.
وهذا حق. . ولكن هذا لا يعود باللائمة على القراء (الأغبياء!)، لأن المسالة راجعة في أصولها إلى الظروف الاجتماعية والسياسية التي يحياها العالم اليوم، فنحن نجوز فترة