العزائم الخابية فتذكو، ثم يجمع الشكاوي المختلفة من شفاه المنكوبين بالسياسة المادية، والمدنية الآلية، والمطامع الغربية، فيؤلف منها دعاء واحداً تجأر به النفوس المظلومة جؤاراً تردده الصحراء والسماء!
وما أحوج المسلمين اليوم إلى شهود هذا المؤتمر! لقد حصرهم المستعمرون في أوطانهم المغصوبة، ثم قطعوا بينهم الأسباب، وحرموا عليهم التواصل، وفصلوهم عن الماضي الملهم والمستقبل الواعد، بطمس التاريخ، وقتل اللغة، وإطفاء الدين، فلم يبق لهم جُمعة إلا في هذا الموسم
إن في كل بقعة من بقاع الحجاز أثراً للتضحية ورمزاً للبطولة، فالحج إليها إيحاء بالعزة، وحفز إلى السمو، وحث على التحرر: هنا غار (حراء) مهبط الوحي، وهنا (دار الأرقم) رمز التضحية، وهنا (جبل ثور) منشأ المجد، وهذا هو البيت الذي احتبى بفنائه أبو بكر وعمر وعلي وعمرو وسعد وخالد، وهذا الشعب وذاك مَجرُّ أذيال الغطاريف من بني هاشم وبني امية، وتلك هي البطحاء التي درج على رمالها قواد العالم وهداة الخليقة!!
(ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً). أما شرط الاستطاعة فقد بطل اليوم، وأصبح الحج فريضة عين لا تحول عن أدائها عقبة، ولا يَسوغُ في تركها معذرة؛ فأنت تستطيع بالمال اليسير وفي الزمن القصير أن تحج على الباخرة والسيارة والطيارة، دون أن تعرض حياتك للموت، وثروتك للنهب، وصحتك للمرض!
وهذه (شركة مصر للملاحة البحرية) تتعهد لك (بزمزم) و (الكوثر) أن تكفلك وتحملك وتعلمك وتغذيك وتؤويك وتحميك في البحر والبر تحت عَلم دولتك، ورعاية مواطنيك، فلا تكابد وعث الصحراء وعبث الأشقياء، ولا تقاسي بُعدَ الشقة وطول الغربة
لقد كان الحج لرهَقه الشديد وجهده الجاهد يكاد يكون مقصوراً على الطبقات الخشنة من الزراع والصناع والعملة؛ أما الناعمون المترفون من أولي الأمر، وذوي الرأي، وأصحاب الزعامة، فما كانوا يقدمون عليه ولا يفكرون فيه، فظل جَداه على المسلمين ضئيلاً لا يتعدى الحدود الخاصة من قضاء المناسك وأداء الزيارة فماذا يمنع الكبراء والزعماء اليوم أن يتوافوا على ميعاد الله، ما دامت هذه الشركة المصرية الخالصة قد تحملت عنهم أكلاف السفر، وضمنت لهم وسائل العيش، ووفرت عليهم أسباب الرفاهية، حتى ليكتفي المسافر