ويلبسونهن ملابس الغلمان: من أقبية ومناطق وسموهن (الغلاميات).
وقد اكثر وراء ذلك الزمن من وصف هؤلاء الغلاميات وفي طليعتهم أبو نؤاس
ويظهر أن اتخاذ هؤلاء الجواري الزي المذكور لم يكن بواسطة اللبوس من الثياب وطم الشعر فقط بل يتعدى إلى تصفيف الشعر كما يفعل الغلمان والى تخطيط شوارب من المسك والغالية والعبير على الشفة العليا تقليدا للشوارب الطبيعة. وقد أشار إلى ذلك أبو نؤاس بقوله:
حور طلعن مؤنثا ... ت الدل في زي الذكور
أصداغهن معقربا ... ت والشوارب من عبير
والعبير أخلاط من طيب تداف بالزعفران، فالجارية كانت تلبس لبوس الغلام وتخط على مواضع الشوارب خطا من العبير وفي لونه شقرة فيبدو كشارب الغلام أو ل ما يبدو وهو بعد أشقر أو أصفر، أما مواضع الصدغ من الجارية فلا يكون عليه شعر السالف مسترسلا أو سبلا كسوالف الجواري وإنما هن يقصصن ذلك الشعر ويلونه على شكل العقرب، أو لعلهن يكوين شعر الصدغ كما تكوى الشعور اليوم بحدائد خاصة. فالغلمان كانوا يومئذ يتخذون من شعر أصداغهن كهيئة العقرب. والجواري المتشبهات بهم كن يفعلن ذلك، فإذا نظرت لوجه الواحدة منهن أول ما يقع نظرك على أصداغ غلام وشوارب غلام ومن هنا كثر في لغة الغزل قول الشعراء معقرب الصدغ وعقرب الأصداغ ولا يكون ذلك على ما يظهر في الغزل بالغلمان الذين لهم على أصداغهم شعر ملوي ومثني على نفسه بحيث يمثل للرأي عقرب أسود يلسع. أما الجواري فليس لعن عقارب أصداغ، وإنما لهن أفاعي وحيات من ذوائبهن تتلوى على ظهورهن.
فلما سمع القاهر منى هذا الوصف تهلل ونادى بأعلى صوته اسقني يا غلام على وصف (الغلاميات) فبادر إليه جوار قدهن واحد توهمتهن غلمانا بالقراطق والأقبية: والطرز والأفقية ومناطق الذهب والفضة فأخذ الكأس بيده وجعلت أتأمل صفاء جوهر الكأس ولآلاء ما فيه، وحسن أولئك الجواري الغلاميات، ولمعان الحربة التي بجانبه. ثم التفت القاهر إلي وقال:
قد سمعت كلامك وكأني مشاهد للقوم حسبما وصفت وسرني ما ذكرت وفصلت