للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وهذه العصبيات تؤرق الحكام وتضنيهم، وقد أزعجت الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر، وأزعجت وزير المعارف، وأزعجت وزير المالية ووزير الداخلية وسائر الوزراء، واضطرت أولي الأمر إلى إقفال هذا المعهد أو ذاك أمداً ليس بالقليل، والتلويح بالوعود لهؤلاء، والنذر لأولئك، فيرضى قوم ويغضب آخرون، وتبقى العصبية المعهدية على حالها تنخر في عظام هذا المجتمع الناشئ المتطلع وتفسد ما بين المتعلمين، وكان الأحجى بهم وبرؤسائهم أن يجتمعوا على مكافحة الفقر والجهل والمرض، وهم الذين أدبتهم الأمة للاضطلاع بهذه المهمة، لا لأن يحارب بعضهم بعضاً

والعلاج الوحيد لهذه العصبية المنكودة هو أن نأخذ الداء من أساسه ونجتثه من جذوره، فنوحد بين سبل التعليم العام أولاً، فلا نكون هناك مدارس أولية وأخرى ابتدائية تؤدي هذه وتلك إلى غيرها بنظام الحلقات المتداخلة في التعليم الذي يدرج عليه نظامنا الواهن السقيم، وأن تتوحد فرصة هذا التعليم العام المشترك لجميع المصريين، فلا يستطيعه الواجدون دون الفاقدين، ولا أبناء الحضر دون أبناء الريف، ولا المسلمون دون النصارى كما هو الشأن في بعض معاهدنا المتسمة بسمة القرون الوسطى إلى اليوم

أما التعليم العالي وما فيه من تخصص واستعداد مهني فيجب أن يكون في كليات واحدة، لا في معاهد مستقلة برأسها، والمتخرجون في هذه الكليات يجب أن يكونوا في نظر الدولة سواء، فلا ينظر رجال البوليس في شيء من الحسد إلى رجال الجيش، ولا يطلب المهندسون المساواة بالقضاة، والمدرسون المساواة بأولئك وهؤلاء، وتختفي هذه الشكايات التي تملأ أعمدة الصحف وتبرأ المنفوس من الحقد والجشع، ولا نسمع أن طبيباً أهان وكيل نيابة، أو أن طلبة الأزهر تماسكوا مع طلبة دار العلوم

عبد الحميد يونس

عضو لجنة ترجمة دائرة المعارف الإسلامية

<<  <  ج:
ص:  >  >>