للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

بصورة تاريخية مشرقة المعالم واضحة التعابير، لحمتها حقائق التاريخ وسداها الفن الرفيع والأدب المعجب. . . ذلك أننا نجد إلى جانب ما قاله في أولئك الخلفاء قصائد ومقطعات أخرى تبلغ المئات عدداً من مدائح وأهاج ومعاتبات ومراث ومداعبات، ومن سائر ما يدور بين المتعاصرين - كلها تتعلق بشخصيات تاريخية هامة من الوزراء والقواد والولاة والسرة والأدباء والأعيان وغيرهم؛ وأكثرها يسجل معالم واضحة دقيقة لأسر خطيرة الذكر على هذا العهد من أمثال آل طاهر وآل المدبر وآل حميد، وآل مخلد وسهل ووهب وخاقان ونيبخت وبسطام. . . وغير هؤلاء

ومثل ذلك يمكن أن يقال عن أبي تمام الذي مدح المأمون والمعتصم والواثق من الخلفاء - وتوفي قبل الأخير بعامين - ثم التمعت في ثنايا ديوانه الحافل بالأعلام، أسماء آل دواد ووهب وسهل ورجاء وحميد ومزيد الشيباني وطوق التغلبي ويوسف الطائي. . . الخ يمكن أن نقول ذلك عن كل شاعر اجتماعي من أمثال من أشرنا إليهم، فترتيب شعر هؤلاء وفق أبجدية القوافي أو أغراض الشعر كما هو متبع إلى اليوم، تشويه لعرض إنتاجهم ليس بعده تشويه، وإعراض عن ناحية هامة كان ينبغي أن تتجه إليها العناية منذ بعيد، تلك هي الناحية الاجتماعية التاريخية من هذه النفائس الخالدة.

وإن عذر القدماء لواضح في لزوم هذه الطريقة الفجة في جمع الدواوين، إذ كان الأمر في ذلك موكولاً إلى جماعة الرواة منهم والحافظين، والغاية منه حفظ هذه الكنوز من الضياع، ثم مساعدة المتأدبين والأدباء على اقتناء مجموعات شعرية وافية تسهل مراجعتها واستخراج البيت منها أو الأبيات بأيسر المجهود، لتذوق ما فيها من شاعرية، أو لدراستها دراسة لغوية لا تخرج عن دائرة النحو والبلاغة والعروض وما إليها. أما هذه الناحية التاريخية التي نشير إليها فلم تكن مما يخطر للقوم على بال؛ وإنما هي غرض يتجدد ويزداد شعورنا بالحاجة إليه كلما تطاول الزمن على هذه القصائد فاكتسبت صفة السجلات التاريخية الوثيقة.

وإن تحقيق هذا الغرض ليقتضينا أن نرتب كل ديوان ترتيباً تاريخياً نراعي فيه تسلسل الحوادث المختلفة التي يسجلها الشاعر، وتاريخ حياة كل من الأشخاص الذين يتحدث عنهم. وليس يطعن في صدق هذا التاريخ الأدبي أو ينتقص من قدره ما قد يتجه إلى الشعراء

<<  <  ج:
ص:  >  >>