عامة من الريبة في صحة أحكامهم لأنهم كمؤرخين معاصرين للحوادث التي يوردونها، يمتازون من الخبرة وسعة الاطلاع بما لا يتأتى لغيرهم ممن سجلوا هذه الحوادث بعد انطواء أزمانها. وأي وصف لخيانة الأفشين للمعتصم أصدق عبارة مما سجله أبو تمام في قصيدته: الحق أبلج والسيوف عوار؟. . بل أي تسجيل لحوادث فتح عمورية أبلغ أثراً في النفس مما تقرؤه في بائيته: السيف أصدق أنباء من الكتب؟
والأمثلة على ذلك كثيرة نومئ إلى بعضها فيما يلي:
١ - رحلت عن الربع المحيل فعودي: لأبي العتاهية في عقد الرشيد العهد لأبنائه الثلاثة في ذي الحجة عام ١٨٦ هـ
٢ - شغلان من عذل ومن تفنيد: للبحتري فيعقد المتوكل البيعة لأبنائه المنتصر والمعتز والمؤيد في ذي الحجة عام ٢٣٥ هـ
٣ - قل للسحاب إذا حدته الشمأل: للبحتري في وفود الروم على المتوكل، ومفاداته الأسرى (في شوال عام ٢٤١ هـ)
٤ - ذاد عن مقلتي لذيذ المنام: لابن الرومي في إيقاع صاحب الزنج بأهل البصرة أيام المعتمد (شوال ٢٥٧ هـ)
٥ - عواذل ذات الخال في حواسد: للمتنبي في حروب خرشنة على عهد سيف الدولة عام ٣٤٠ هـ.
٦ - فتوحك ردت بهجة الملك سرمداً: للسرى الرفاء في الغرض السابق.
٧ - فتح أعز الإسلام صاحبه: للسرى الرفاء في هزيمة الدمستق وبناء قلعة الحدث عام ٣٤٣ هـ.
٨ - على قدر أهل العزم تأتي العزائم: للمتنبي في الغرض السابق
وينبغي بعد ألا يفوتنا النص على أن هؤلاء الشعراء كانوا من حزب الخلافة في أكثر أمرهم، فلهجتهم هي الرسمية، ووجهة نظرهم هي الوجهة العامة الغالبة. وكتب التاريخ التي ننحني أمام صدقها لا ينظر أكثرها إلى الحوادث السائرة إلا من هذه الزاوية. فهؤلاء الشعراء في تسجيلهم لحوادث التاريخ العامة لم يكونوا إلا لساناً ينطق برأي الهيئة الحاكمة، ولا يخالف كثيراً - إن لم يمثل تماماً - رأي الهيئة المحكومة من عامة الشعوب الإسلامية.