العهود والمواثيق؟ هل احترمتها فرنسا - مثلاً - في سياستها السورية؟ ألم تكن أعمالها هناك - من أولها إلى آخرها - سلسلة حركات تتلخص في القسوة والعنف دون أن تتقيد المواثيق والمواعيد؟. . .
فالعامل الأصلي في الانهيار لم يكن عدم الاستعداد للحرب. وعلى من يخامره أدنى شك في هذا الباب أن يرجع بذاكرته إلى أوائل الحرب الحالية، ويتذكر ما كان يسمعه وما كان يقرأه من الآراء والأخبار حول قوة فرنسا العسكرية: فكلنا كنا نسمع كل يوم مقارنات طويلة عريضة، بين خط ماجينو وخط سيجفريد، مقارنات تنتهي بوجه عام بالمدح والإطراء على الأول وبالقدح والازدراء بالثاني. كل يوم كنا نسمع ونقرأ أخبار شتى كلها تؤكد تفوق المدفعية الفرنسية على المدفعية الألمانية وتبرهن على تفوق الطيران الفرنسي على الطيران الألماني. . .
ولا حاجة للبيان أن مصادر هذه الأخبار والدعايات كلها كانت فرنسية. . .
وكل شيء يدل على أن فرنسا كانت (تعتقد) أنها مستعدة للحرب أتم الاستعداد، وأنها ستنتصر بدون ريب. وإلا لما أقدمت على إعلان الحرب، ولأوعزت إلى بولندة بوجوب التساهل مع ألمانيا في قضية دانزيج والممر، ولانكبت بعد ذلك على إتمام استعداداتها؛ غير أنها لم تفعل ذلك، بل بالعكس شجعت بولندة على المقاومة، وانضمت إلى بريطانيا العظمى في توزيع (الضمانات) إلى اليمين واليسار، وعلى القريب والبعيد، ممن يطلبها أو لا يطلبها من الدول. . . فلا مجال للشك في أن فرنسا كانت مغرورة بقوتها ومخدوعة في قوة عدوتها.
من المعلوم أن القوة من الأمور النسبية؛ فالقوي بالنسبة إلى شيء، قد يكون ضعيفاً إلى شيء آخر، والغلط في التقدير في مثل هذه الأحوال قد ينتج من غلط في تقدير القوة نفسها، أو في غلط في تقدير القوة المقابلة لها، أو من غلط في كلا الأمرين. . . إن سير الوقائع يدل دلالة قطعية على أن فرنسا أخطأت خطأ فاحشاً في تقدير قوة ألمانيا. . .
فيجدر بنا أن نتساءل: لماذا أخطأت فرنسا كل هذا الخطأ الفاحش في تقدير قوة عدوتها؟
إننا أعزو سبب ذلك إلى انخداع فرنسا بأقوال اللاجئين الموتورين الذين هربوا من ألمانيا أو طردوا منها. . . وقد فتحت فرنسا أبوابها لهؤلاء، وأرادت أن تستفيد منهم ومن شكاواهم