للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

جعل ضمير المسلم لا يستريح إذا طعم ولبس وتمتع، وجاره ومن حوله قد عجزوا عن القوت؛ وحضه حضاً قوياً على البذل والقناعة والحد من شهواته في سبيل إغاثة الملهوفين والمحتاجين؛ حتى لقد أمر أن يطعم السيد الخادم مما يطعم، ويكسوه مما يكتسي.

قال المعرور بن سويد (رأيت أبا ذر رضي الله عنه عليه حلة وعلى غلامه مثلها، فسألته عن ذلك فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (هم إخوانكم وخولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم من العمل ما يغلبهم فإن كلفتموهم فأعينوهم عليه).

ولم يكتف الإسلام بإيقاظ الضمير لهذا، بل جعل للدولة أن تقتضي من فضلة مال الفرد مقادير لا يستهان بها لتكفل بوسائلها هي أيضاً حاجات الفقراء والمساكين.

وفي الحقيقة حين يحارب الإسلام الترف والاكتناز والربا ويقول: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب اليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. هذا ما كنزتم بأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) وحين يقول: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) وحين يقول: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات) وحين يقتضي الزكاة على الأموال المكنوزة ويحرم الربا، إنما يريد بذلك كله أن يرفع مستوى الطبقات الفقيرة ويخفض من مستوى المترفين، ليجعل حياة الجميع سعيدة متناسقة.

فتحريم الترف يوجه الأموال إلى إنتاج أكثر فائدة للجميع، وتحريم كنزها يوجب تداولها، وتداولها من غير ربا يؤدي إلى المشاركة فيها. وإذا لم يجد الناس في الترف لذتهم وجاههم، وجدوهما في الإحسان والبر. وإذا لم يجدوا في الكنز ضمانا لهم وجدوه في ضمانة المجتمع الإسلامي المتكافل الذي لم يهمل أحداً، ولم يحتقر أحداً. وإذا لم يجدوه في الربا وجدوه في لذة الكسب والمشاركة مع إخوانهم الذين يعملون في أموالهم.

ولو قامت الدولة بواجبها في كفالة المتخلفين من إخواننا لما يصيبهم في أنفسهم أو أبدانهم، أو مما يصيبهم من انقطاع السبل بهم مع رغبته في العمل، وذلك بأن تكون سياستها قائمة على أساس التكافل الذي جاء به الإسلام في قول رسوله (المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً) فوزعت الصدقة على من لا سبيل له غير الصدقة،

<<  <  ج:
ص:  >  >>