للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ووزعت العمل على الناس بقصد الخير العام ولو على سبيل الإجبار على عمل معين للقادر عليه، لقاتلت هي أيضاً الفقر بوسائلها الفعالة.

وقد جعل الإسلام في هذا سلطات واسعة لولي الأمر، فله في سبيل الإصلاح العام أن يحدث أقضية بقدر ما يحدث من المشكلات، وله أن يكيف الأحوال لتسير وفق الغرض الأساسي للإسلام، وهو الإحسان.

وقد قرر الإسلام في وضوح وعزم مبدأ المساواة، وهو أعظم المبادئ في مقاومة الشرور الاجتماعية وأخصها الفقر، وجعل هذه المساواة مستقرة في ضمير المسلم، ومالكة زمام تصرفاته في العبادة والمعاملة والأدب.

ومن فضل الدعوة المحمدية على البشر أنها تبغض في الاستعلاء والترفع على الناس، حتى ليكاد المسلم يفر من مجرد الخاطر الذي يخطر بذهنه بأنه أفضل من غيره. والمسلم الصادق لا يضمر في نفسه أنه خير من خادمه مع سيطرته عليه.

والله تعالى يشتد على الرسول نفسه ويعاتبه بالقرآن، لأنه تصدى لقوم من رؤوس العرب يرجو من وراء إيمانهم إيمان أقوام يتبعونهم، وتلهى بهم عن رجل فقير ضعيف جاء راغباً في الأيمان فقال:

(عبس وتولى أن جاءه الأعمى، وما يدريك لعله يزكى، أو يذكر فتنفعه الذكرى. أما من استغنى فأنت له تصدى. وما عليك ألا يزكى. وأما من جاءك يسعى. وهو يخشى فأنت عنه تلهى)

ولست تجد في أي تشريع احتفالا بالفقراء واعتناء بشأنهم مثل ما جاءت به الدعوة المحمدية، إذ تحض المسلمين على رياضة أنفسهم على احترام الغير وتقديره (يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم، ولا نساء من نساء، عسى أن يكن خيراً منهن، ولا تلمزوا أنفسكم، ولا تنابزوا بالألقاب، بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان).

ومتى رسخ هذا المعنى في أذهان الملوك والحكام والعامة والفقراء والأغنياء والملاك والعمال كما أرادته الدعوة المحمدية، استحالت الفرقة الاجتماعية وما يثيرها من حسد وبغض، وما يترتب عليها من خلاف وشر ثم قتال وحرب، وما يكون من تسلط الأقوياء على المستضعفين، أو ما يكون من ظهور المستضعفين واستذلالهم لمن كانوا أقوياء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>