للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ظاهر إذاً أن مبدأ المساواة بالمعنى الإسلامي هو من أكبر دعامات البر وأفتك الأسلحة بآفة الفقر.

وقد دعا الإسلام إلى البر بكل وسيلة، دعا إليه بالترغيب والترهيب، ودعا إليه بقوة القانون والدولة، فقال تعالى: (يمحق الله الربا ويربي الصدقات).

وقال (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون) وقال (أرأيت الذي يكذب بالدين. فذلك الذي يدع اليتيم، ولا يحض على طعام المسكين) وقال. (كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين).

وكتاب الله وحياة رسوله يفيضان بفضل الإنفاق في سبيل الله، واتخاذ الدنيا مطية للآخرة. ولم يكتف صاحب الدعوة صلى الله عليه وسلم بأن تكون دعوته موجهة بكل قوتها للبر بالفقراء والمساكين والضعفاء والمصابين والمعوزين، بل جعل البر بهم حقاً مفروضاً لا سبيل إلى المماطلة فيه، حتى إن العرب لما ارتدت عن دفع الزكاة عقب وفاة الرسول، ونصح الخليفة الأول بأن يداريهم، وقد تفاقم الشر، قال رضى الله عنه (والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه). أي أنه يوجه كل قوى الدول لقتال قوم يمنعون حق الفقير فيما قيمته قيمة حبل يعقل به بعير.

فحقوق الفقراء في الدول الإسلامية مصونة، وليس لأحد أن يمن بها فهي حق الله في ماله وكسبه وملكه، وقد بينت الشريعة الزكاة وأنواعها وكيفية أدائها، كما بينت مستحقيها وما لهم وما عليهم بتفصيل دقيق.

وكان من أثر الدعوة المحمدية للبر والإحسان تلك الأوقاف المحبوسة على الخير في المشرق والمغرب، وكان من أثرها أن تطهرت نفوس المسلمين، حتى حبسوا من أملاكهم على القطط والكلاب والحيوانات. ومن أمثلة هذا أن نور الدين محمود وقف أرضاً في دمشق لتكون مأوى للحيوان الهرم، يرعى فيها حتى الموت.

وتاريخ المسلمين في كل أوطانهم بفيض بالبر والعطف والرحمة بالبؤساء والغرباء، وما الكرم الذي كان به فخر البيوت والأسر والشعوب إلا أثر من آثار روح البر والإحسان الإسلامي.

ولم يكن البر في الدعوة المحمدية خاصاً بأهل الجنس أو الدين، ولكنه كان عاماً للمساكين

<<  <  ج:
ص:  >  >>