تعليما منه! فوالله ما نهرني ولا ضربني ولا شتمني ولكن قال: أن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس. إنما هي التسبيح والتكبير وقراءة القرآن. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفق حتى على أهل الكبائر من امته، وقد أقام الحد على رجل فمات فلعنه الناس وسبوه، فقال لهم: لا تلعنوه ولكن قولوا: اللهم اغفر له. اللهم ارحمه! وكان رجل يؤتي به إليه كثيراً وهو سكران بعد تحريم الخمر فلعنه الناس مرة فقال: لا تلعنوه فانه يحب الله ورسوله. فكشف لهم عما يعرفه من حقيقة نفسه ودخيلة قلبه لما رفضوه لظاهر فعله، وإنما ينظر الله إلى القلوب!
وجاءه مرة رجل وهو يصلي، فلما انتهى من صلاته قال له: يا رسول الله. إني أصبت حدا فاقمه علي، فسكت عنه، ثم عاوده الرجل بعد حين فقال له مثل ما قال فسكت عنه، ثم عاد إليه بعد صلاة الغداة فقال ليس: يا رسول له إني أصبت حدا فأقمه علي. فقال له: أصليت معنا هذه الصلاة؟ قال: نعم. قال: فاذهب فإن الله غفر لك حدك!
وليس ذلك تهاونا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحدود، وحاشاه، وهو القائل في حادثة المخزومية التي سرقت وشفع لها أسامة:(والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها!) وإنما ذلك رجل قد تاب قبل أن يعلم به أحد، أو يقدر عليه أحد، ومن تاب تاب الله عليه (إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين).
ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم رفيقا بأهله، سهلا في معاشرتهم: روى انه كان يسرب إلى عائشة بعض بنات الأنصار يلعبن معها. ومر يوما جماعة من أهل الحبشة يلعبون، فقال: يا عائشة تعالي فانظري! فقامت فوضع لحيها على منكب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعلت تنظر إليهم في سرور واهتمام، ثم قال: أما شبعت؟ أما شبعت؟ وهي تقول له لا، انتظر. . انتظر!. .
ومن آثار صفائه النفسي وفائه صلى الله عليه وسلم، فهو لا يعرف الغدر ولا النكث ولا التنكر مع الزمان، لأنه لا يتقلب مع المنفعة، ولا تبطره النعمة:
كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين المشركين عهد، فأرسلوا إليه رجلا منهم يفاوضه في أمر من الأمور، وهو أبو رافع، فلما رآه وحدثه أخذته عظمته وراعه حديثه، وألقى الله في قلبه الميل إلى الإسلام، وحينئذ نسيه الرجل انه سفير لقومه، وانه جاء