للمفاوضة عنهم، فتوجه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال له في لهجة ضارعة: يا رسول الله؟ لا أحب أن ارجع إليهم فأبقني عندك! فماذا فعل الرسول؟ هل نسى عهده الذي بينه وبين المشركين؟ كلا. ولكنه قال: لا. لا. إني لا أخيس بالعهد ولا احبس البرد، ولكن ارجع إليهم فإن كان في نفسك الذي في نفسك الآن فارجع إلينا. قال أبو رافع: فذهبت ثم أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم صادقا صدوقا لم يعرف عنه أنه كذب مرة واحدة في حياته لا فبل مبعثه ولا بعد مبعثه، ولذلك كانوا يلقبونه بالصادق الأمين ويرضون حكمه، وينزلون على قضاءه.
أن الكذب علامة من علامات النفاق، والنفاق لا يكون من أخلاق العظماء، ولا يخالط نفوس الأباة الشرفاء، ولذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثلاث من كن فيه فهو منافق وان صام وصلى وحج واعتمر وقال أني مسلم: إذا حدث كذب، وإذا وعد اخلف، وإذا أوتمن خان).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يشدد على أمته ويسال الله دائما التخفيف عنهم، وكان يوصي أصحابه بألا يكثروا من سؤاله لئلا يشددوا على أنفسهم، ويقول (أعظم الناس جرما من سأل عن شيء لم يكن حراما فحرم على الناس) ويقول (دعوني ما تركتم. إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصد إلى تعذيب نفسه وحرمانها من طيبات الحياة كما يفعل المتشددون الذين يتكلفون الزهد والورع قصدا إلى الشهرة بالصلاح، وإنما كان يأكل الطيب إذا وجده، وكان يحب الحلواء والعسل، ويعجبه لحم الذراع، ويستعذب له الماء.
وكان يأمر بالتبشير، ويكره التنفير. وقد بعث معاذا وابنه إلى اليمن فقال لهما:(تنفرا، ويسرا ولا تعسرا).
وكان يكره المبالغة في العبادة بما يشق على النفس، وقد دخل المسجد مرة فوجد حبلاً ممدوداً بين ساريتين فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا حبل لزينب: تصلي فإذا كسلت أو فترت