أمسكت به! فقال: لا حلوة، ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر قعد.
وقال لأحد أصحابه (إن هذا الدين متين فأوغل فيه برفق، ولا تبغض إليك دين الله. لا أرضاً قطع ولا ظهراً ابقي).
وقد نزه الله رسوله الكريم حتى قبل بعثته عن كل ما كان يأتيه أهل الجاهلية من المباذل والمفاسد، وفي ذلك يقول صلوات الله عليه وسلامه عليه:(ما هممت بشيء مما كان أهل الجاهلية يعملون به إلا مرتين. كل ذلك يحول الله بيني وبين ما أريد، ثم ما هممت بسوء حتى أكرمني الله برسالته: قلت ليله لغلام كان يرعى معي: لو أبصرت لي غنمي حتى ادخل مكة فأسمر كمل يسمر الشاب. فخرجت لذلك حتى جئت أول دار من مكة فسمعت عزفا بالدفوف والمزامير فجلست انظر وأسمع، ولكن النوم غلبني فما أيقظني إلا مس الشمس فرجعت ولم اقض شيئا، ثم عراني مرة أخرى مثل ذلك، ثم لم أهم بعدها بسوء!).
لهذه الحلال وأمثالها فطنت خديجة رضي الله عنها، فلما جاءه الملك لأول مرة بالوحي، وذهب إلى بيتها يقص عليها ما رأى، ويذكر لها ما يساوره من خوف على نفسه، قالت له:(كلا، والله لا يخزيك الله أبداً. انك لتصل الرحم، وتحمل الكل الإنسان وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق) عرفت من شريف صفاته ما اتخذته دليلا على نجاحه في مستقبل حياته.
هذه درس وعبر وآيات بينات تشرق واضحة في سيرة محمد صلوات الله وسلامه عليه، وتدل على خلاله الكريمة التي وافقت بها طبيعته طبيعة دعوته، فيها ما يفيد الناس جميعاً على اختلاف مراتبهم، وفيها ما يفيد العظماء والمصلحين بوجه خاص. إنها تقول بلسان فصيح:
يل دعاة الإصلاح: ليس الإصلاح أقوالا ثقال، ولا مذكرات تكتب، ولا مبادئ ترسم، لتخطف بها الأبصار، وتؤلف القلوب، وتقضي على حساب ذلك اللبانات. إنما الإصلاح أفعال تتحقق بها الأقوال. إنما هو تنفيذ حازم لما رسم من الخطط ووضع من البرامج. إنما هو مثل تضرب للناس يبدو فيها الإخلاص لله، والإيمان بالدعوة، والغيرة على الفكرة، والفناء في سبيل المبدأ.
(يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون؟ كبر مقتا عند الله ان تقولوا ما لا تفعلون)