للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وهي سلسلة موشحات من نغمة الحجاز يستغرق معهم إنشادها من المساء حتى مطلع الفجر. ولأمر ما جاء في الأمثال القديمة لدينا إن الدور أو الأغنية تنبع من مصر وتنتشر في دمشق وتخلد في حلب. فأهلها من أكبر المحافظين على القديم، ومن أكبر المتلذذين والمتكسبين من هذه الصناعة إتقانا، وحسبك أن تعلم أن الشيخ علي الدرويش كان من كبار الأساتذة الذين احتاجت إليهم مصر في تعليم هذا الفن في معاهدها الفنية الكبيرة، واحتاجت إليه تونس وغيرها من الأقطار العربية، وأن تعلم أن كبار العازفين على الكمان، كالأستاذ توفيق الصباح، وكريم عزة، ويوسف عزة، وجميل عويس، وسامي الشوا، وفاضل الشوا، جميعهم من الحلبيين. . .

رأت الحكومة السورية في عهدها الوطني الميمون الطلعة أن تنهض بهذا الفن كما نهضت بغيره من بقية الفنون، وأن تحيي مواته قبل أن تفنى البقية الباقية من أربابه وأساطينه، فأسست في دمشق تحت إشراف النائب السيد فخري البارودي الذي يحدب على هذا الفن وأربابه لميله الخاص إليه مدرسة أطلقت عليها المعهد الموسيقي الفني للإذاعة السورية الموقتة، تسلم فرع الموشحات ورقص السماح فيه الشيخ عمر البطش، ويعاونه في ذلك سعيد فرحات وصالح المحبك الذي كان من أعضاء المؤتمر الموسيقي هو والصباغ المنعقد في القاهرة تحت إشراف ساكن الجنان الملك فؤاد. واستقدمت له من تركيا الأستاذ رفيق فرسان لفرع النوتة والسماعيات والبشارف يرافقه زوجته وشوقي بك ذلك الموسيقى الذي كتب عنه صديقنا الطنطاوي منذ أمد قصة الموسيقى العاشق في الرسالة الغراء.

ويعاون هؤلاء في أعمالهم أساتذة بعضهم من مصر وبعضهم من دمشق وحلب. ثم تألقت في المعهد فرقة خاصة جمعت الأساتذة وبعض النوابغ من التلاميذ يعرضون بضاعتهم ومنتوجاتهم على الملأ في الحفلات والعامة، ويعرضونها في محطة الإذاعة الدمشقية، فيسمع الناس فيها السحر الحلال. ويشهدون روعة الفن القديم، ولقد شهدت هذه الحفلات أكثر من مرة، وكنت كلما شهدتها أزداد بها إعجابا وفتنة ورغبة في سماعها، وقد ينتهي العمر وإعجابي لا ينتهي برقص السماح. وكم كنت أتمنى عندما أشاهد الفنية بعد الفنية أن لو يتاح لإحدى الشركات السينمائية المصرية أو غيرها أن تأخذ شريطا عنه فتعرضه على الناس ليشهدوا روعته وإتقانه، وهو فن خالد قد أذهب الأقدمون في إيجاده نور البصائر،

<<  <  ج:
ص:  >  >>