وأما إخراج المسرحية فلا أكتمك أن المنظر الأول صدم عيني، فهو منظر (عايدة) المسرحية الملحنة. ويعلم الله كم مرة مثلت هذه المسرحية في دار الأوبرا الملكية، فكيف غاب عن المخرج أن العين سئمت مناظرها، بل كيف غاب عنه أنها لم تكن لتنتظر واحداً منها في (مصرع كليوبترا) أول ما يرتفع الستار. وقد رجعت إلى نصَّ شوقي، فقرأت (المنظر الأول - في مكتبة قصر كليوبترا - أشخاص جلوس إلى أعمالهم). والغريب أن الناظر لم يلمح على المسرح كتاباً واحداً، وأما الأشخاص فكان بعضهم إلى بعض جالساً لمحادثة أو لائتمار. هذا وفي الإخراج مآخذ أخرى أقف عند واحد منها: كانت الإضاءة تجري على غير بصيرة في غالب الأمر واكثر الحال. فكانت شديدة جداً في مشاهد تتطلب بعض الظلمة، في مشهد مصرع كليوبترا مثلاً. حتى الفصل الثالث - وفيه ينشق الستار عن مشهدين متجاورين، أحدهما حجرة الكاهن في المعبد، والآخر جانب من خارج المعبد فيه شجرة باسقة - على حسن توزيع مشهديه، لم يستطيع أن يوحي إلى الناظر ما ابتغاه المؤلف والمخرج جميعاً. وعلة ذلك اضطراب الإضاءة، فقد كان نور أحد الجانبين يسطع قبل انطفاء نور الجانب الآخر أو بعده توًّا، فلم يتمكن الناظر أن ينتقل - في دخيلة نفسه - من مشهد إلى مشهد: إن للنظر إيحاء وإيهام قبل كل شيء
وهذا الحديث يدور على الإخراج في الفرقة القومية. فهل أخفى عليك أني دهشت - وقد دهش غيري - أن الأستاذ زكي مبارك طليمات المخرج القدير لم يُدعَ هذه السنة، بعد رحيل المخرج الفرنسي (فلاندر)، إلى الوقوف على شؤون الإخراج في الفرقة وهي التي نهضت به من حيث الإخراج أول ما نهضت. ثم كيف ينسى ناس أن (أهل الكهف) و (تاجر البندقية) خرجتا على يد زكي طليمات ألطف إخراج، وأن الأولى لولا حذقه ما تذوق الجمهور المصري ما فيها من فن رقيق؟
حتَّام تهمل الكفايات - وما أقلها! - في هذا البلد؟ أو أقل ماذا يصنع ناس بما جاء في خطاب رئيس الوزراء:(وكم شاهدنا القادرين من أهل الفن والمعرفة يقصون عن العمل فيما هم أهل له).
بشر فارس
حاشية: بدا للفرقة أن تدعو أحد المغنين إلى إنشاد قطعة من المسرحية فكان الغناء طنينا،