١ - اطلعت في العدد الأخير من الرسالة على كلمة لحضرة الأخ الكريم الأستاذ محمد عبد الواحد خلاف يذكر فيها أن الحديث الذي دار في منزل صاحب العزة الدكتور طه حسين بك لا حقيقة له وأن ذلك الاجتماع من نسج الخيال
وقد دهشت من كلمة الأستاذ خلاف، وبلغ مني العَجب كل مبلغ. ولولا الرعاية لحقوق الأخوةّ لقلت إن كلام الأستاذ يحتاج إلى تصحيح، وقدمتُ له الأدلة والأسانيد؛ ولكن الأستاذ خلاف كما أعرفه ينفر من المجادلات والمصاولات، ويكره ما يصحب النقد أحياناً من صَخب وضجيج. ومن حقه علينا وهو أخٌ كريم أن نجنَّبه مواطن الشغب والصيال
وما نمنَّ عليه بهذا الترفق، فهو عندنا أهلٌ للتكريم والتبجيل، وسنصفي ما بيننا من حساب يوم نلتقي مرة ثانية في منزل الدكتور طه حسين
٢ - قرأت (الحد الفاصل بين أدب الروح وأدب المعدة) لحضرة الأستاذ محمود على قراعة، وأنا أشكر لهذا الصديق المفضال ما تجشم من المتاعب في شرح الفروق بين النوازع الحسية والعواطف الروحية. ثم أعتب عليه: فقد آذاني أن يقرر أن زكي مبارك (يتحدى كل فكرة روحية، ويتهكم على كل نزعة سماوية) فمؤلفاتي ومقالاتي ومذاهبي في الحياة تشهد بغير ذلك. وهذا العناد الذي يعيبه عليّ بعض القراء هو من الشواهد على قوة الروح، ولو كانت المنافع المادية مما يدخل في حسابي لما استبحت الهجوم على فلان وفلان وفلان في سبيل الحق، ولهم قدرة على الضر والنفع، ولهم أصدقاء يقدَّمون ويؤخَّرون، ويحسب لهم طلاب المنافع ألف حساب
قد يكون للمظاهر دخلٌ في تلوين الصورة التي تراني عليها بعض العيون، فقد أكثرتُ من الكلام في الغراميات والوجدانيات، ولكن هذا الميل هو في جوهره من صميم الروحانية، وسأقضي حياتي في التغني بالصباحة والملاحة والجمال، تأدباً مع الله الذي جعل الوجود مواسم فتنة ومطالع أقمار ومشارق شموس. فإن كان هذا مما ينافي الوقار في نظر بعض الناس فهو عندي من أصدق الشواهد على الرزانة والعقل. ويرحم الله من يقول:
شاع في العالمين أني أديبٌ ... جامح القلب فاتك النظراتِ