يتعالون على الرعية، وينظرون إليها من الناحية المالية، فلا يهمهم إلا أن ينتزعوا منها مالها وهم في عزة السادة، وإلا أن تقدم إليهم هذا المال في صغار وذل، وعلى هذا يكون الرعاة الذين يقابلون الجباة لا يحملون شيئاً من معنى السادة، ولا تكون الرعية لهم عبيداً، بل يجمعهم جميعاً اسم المواطن.
فإذا انتقلنا من هذا إلى معنى كلمة رعية في اللغة وجدنا القاموس يقول: الراعي كل من ولى أمر قوم، والجمع رعاة ورعيان ورعاء وقد يكسر، والقوم رعية كغنية. ثم يقول: وراعيته لاحظته محسنا إليه، وراعيت الأمر نظرت إلى م يصير، وراعي أمره حفظه كرعاه، واسترعاه إياهم استحفظه.
وإذا انتقلنا من القاموس إلى النهاية في غريب الحديث والأثر وجدناها تقول: وفي الحديث (نساء قريش خير نساء، أحناه على طفل في صغره، وأرعاه على زوج في ذات يده) هو من المراعاة الحفظ والرفق وتخفيف الكلف والأثقال عنه، ومنه الحديث (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته) أي حافظ مؤتمن، والرعية كل من شمله حفظ الراعي ونظره، وفي الحديث إلا إرعاء عليه) أي إبقاء ورفقاً؟ أرعيت عليه، والمراعاة الملاحظة، وفي حديث عمر (لا يعطى من الغنائم شيء حتى تقسم إلا لراع أو دليل) الراعي ها هنا عين القوم على العدو، من الرعاية والحفظ، ومنه حديث لقمان بن عاد (إذا رعى القوم غفل) يريد إذا انتقلنا بعد هذا إلى المصباح المنير في غريب الشرح الكبير وجدناه يقول: وقيل للحاكم والأمير راع لقيامه بتدبير الناس وسياستهم، والناس رعية، وراعيت الأمر نظرت في عاقبته، وراعيته لاحظته.
وفي كل هذا المنقول من كتب اللغة لا نجد في كلمة راع ورعاة معنى السيادة والتسلط والتحكم، ولا في كلمة رعية معنى الخدمة والعبودية، وإنما وظيفة الراعي حفظ الرعية وملاحظتها بالرفق واللطف، والإبقاء عليها بصيانتها عن موارد الهلكة، وتدبيرها وسياستها بالعدل، وهو في هذا أقرب إلى أن يكون خادماً للرعية، والرعية فيه أقرب إلى أن تكون هي المخدومة.
وكذلك الأمر في الرعية من جهة الدين، لا شيء فيها من معنى العبودية، ولا شيء في الرعاة من معنى السيادة، وإنما الخليفة وولاته أصحاب وظائف في الرعية، يخدمونها بأجر